ثار سالم علي ثورة جامحة تخطت جميع الحدود. صمم على نبذ منى واحتقارها، واعتبرها فتاة مجنونة، وأن من حسن حظه حقا أنه عرفها على حقيقتها قبل أن يتورط في الزواج منها. ولم يقتنع شقيقه الأصغر حامد بثورته، فقال له: ما زلت تحبها يا أخي.
فصاح بغضب: أبدا، وسوف تعرف ذلك بنفسك.
وكان حامد يحب شقيقه، ويؤمن بأنه يفهمه، فقال: أنت يا أخي برجوازي، ويناسبك الزواج البرجوازي!
فتضاعف غضب سالم، وقال: عيبكم الأساسي هو تعلقكم بالمصطلحات، انتظر وسوف ترى!
فقال له بإشفاق: إن مركزك القضائي ...
ولكنه قاطعه: انتظر وسوف ترى!
وعاد إلى بؤرة قديمة كان هجرها مذ عرف منى زهران. ذهب إلى ملهى «مركب الشمس» بالهرم، وهو نصف ثمل. وانزوى في الحديقة رغم برودة الجو، وطلب من النادل أن يدعو سميرة لمشاربته. وسميرة كانت صديقته، وهي راقصة من الدرجة الرابعة ترقص ضمن مجموعة في خلفية المسرح عندما يغني مطرب بالملهى. وهي في الخامسة والثلاثين، وبها مسحة جمال، وجسمها أجمل من وجهها، ورخيصة الثمن نسبيا، وقد دهشت لعودته عقب غياب استمر أكثر من نصف عام، فتظاهرت بغضب لا أساس له، وقالت له: رجعت يا خائن!
وراحا يشربان. ولاحظت أنه - بخلاف عادته - يشرب بإفراط. وكانت ترتاح إليه؛ لأنه مهذب، ولأنه يملك سيارة صغيرة، وأخيرا لأنه كريم. وقالت له ضاحكة: أنت تشرب كالوحش.
فقال لها: سأنتظرك آخر الليل.
ومع أنها رحبت بذلك في أعماقها، إلا أنها قالت متسائلة مع رغبة في تأديبه: كلا !
Unknown page