فقال الرجل بحنق: أنت لم ترهما ولم تر العنبر. - زرتهما في المستشفى؟ - زرتهما، رأيت وسمعت وشعرت بعجزي، فلعنت كل شيء كما لعنت نفسي.
فقال حسني بروح عالية، وهو يقصد أولا عم عبده بدران: هما بطلان، وهكذا الحرب في كل زمان ومكان.
فصاح عشماوي: إني ألعن العجز! - سليمة سليمة بإذن الله.
وقال عم عبده بدران ليبدد مخاوفه الشخصية بدعابة: وأنت يا عشماوي ألا تطالب دائما بالحرب والنصر؟
فتحول غضبه إلى حزن وهو يردد: الحرب والنصر، ولكني عجوز لا خير فيه! - حسبك أنك شربت من دم الإنجليز في شبابك!
ثم نظر عبده بدران إلى الأستاذ حسني، وقال: في الثورة الأولى كنت دون السن اللازم للجهاد، واليوم أنا فوق السن المناسب للحرب، فلم أفعل شيئا يذكر للوطن. - ولكن ابنك في الجبهة، خبرني هل يؤلمك تصورك أنك لم تفعل شيئا؟ - أحيانا، ولكن أعباء الحياة تغرقني حتى القمة.
وتذكر حسني أنه ذو موقف مماثل، وأنه كان يحاسب نفسه في أزمات تلم به، وأنه كان يطفئ سعارها ببرودة العقل الخالدة، وأنه أوشك أن يقنع نفسه بأنه يفتح شقته للأفراح البريئة والخير! وسأله عبده بدران: على أي وجه سينتهي الموقف يا أستاذ؟
فضحك حسني عاليا، وقال: السؤال الخالد! ماذا يمكن أن يقال؟ فلننتظر. - ولكن الموت لا ينتظر. - إنه سباق ونحن لا نموت وحدنا!
وعند ذلك تساءل عشماوي: وهل أولاد الأغنياء يقتلون أيضا؟
فلم يتمالك حسني نفسه من الضحك، وقال: ولكن التجنيد لا يفرق بين غني وفقير يا عشماوي!
Unknown page