Hubb Ibn Abi Rabica Wa Shicruhu
حب ابن أبي ربيعة وشعره
Genres
تزودت منها واتشحت بمرطها
وقلت لعيني: اسفحا الدمع من غد
فقامت تعفي بالرداء مكانها
وتطلب شذرا من جمان مبدد
ومهما يكن من شيء، فإن الرجل لم يشأ أن تختم حياته بالمجون، فما كاد يتجاوز الأربعين من عمره حتى أقبل على نفسه يحاسبها ، وعلى ربه يستغفرهت؛ فهجر الشعر على حبه، وألف النسك على بغضه، لولا تلك الذكرى الموجعة التي كانت تعاوده من حين إلى حين، وذلك الشوق الدخيل الذي كان يهيجه في الفينة بعد الفينة، فقد كان يحن إلى شبابه حنينا موجعا، ويتطلع إلى ماضيه تطلع اليائس المتلهف، فيمد يديه عله يرجع الدهر، ويلفت الزمن، ولكن هيهات هيهات، فقد خانه الأمل، وخلاه الشباب، وأخذ الشيب في هد تلك القوى، وهدم ذلك الصرح، وأخذ النساء يتراجعن ضاحكات منه، ساخرات به، وبدأ الدهر يبني دولة جديدة للحب، ويشيد حصنا ثانيا للغرام، فأنشأ فتيانا غير الفتيان، وعذارى غير العذارى، وأصبح ابن أبي ربيعة غريبا والمشيب غربة، وقصيا والشيب شبه النوى، وعاد الناس يقولون: هذا هو ابن أبي ربيعة الذي كانت تعضه النساء وهو بالبيت يطوف، وهذه هي الثريا التي كانت تحسدها الأزهار في الرياض والنجوم في السماء، وهذه معالم ابن أبي ربيعة ومعاهد شبابه، قد عادت صما خوالد ما يبين كلامها.
أقول أيها السادة: إن ابن أبي ربيعة أخذ يحن إلى أيامه الخوالى، ولياليه السوالف، ويتشوق إلى الشباب الراحل، والنعيم الذاهب ويزيده كلفا وأسفا أن يرى الشباب في صعود نحو المستقبل المشرق، ويرى نفسه في هبوط إلى الماضي المظلم، فما لقي فتى جميلا أو شابا وسيما إلا أرسل بصره إليه يتأمل شكله، ويجتلي حسنه، ثم يمد يده إلى شعره فيعبث به، وإلى ذؤابته فيرسلها، ثم ينتحب ويقول: وا شباباه! وا شباباه!
حتى لقد مر به فتيان وهو بالحجر يصلي، فلم يكد يفرغ من صلاته حتى لحق بهما فعرفهما، ثم قال: يا ابني أخي! لقد كنت موكلا بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه!
نعم، أقلع ابن أبي ربيعة عن غيه، وأصبح يستقبح من الفتيان وهو شيخ ما لم يستقبحه من نفسه وهو فتى، فما طاف بالبيت إلا تأمل عله يجد فتى يحدث فتاة فينهاه، أو امرأة تتبع رجلا فيردعها! ولقد كان من أمره أن نظر إلى رجل يكلم امرأة في الطواف، فعاب ذلك عليه وأنكره، فقال له: إنها ابنة عمي، فقال: ذلك أشنع! فقال: إني خطبتها إلى عمي فأبى علي إلا بصداق لا أطيقه، ثم شكا إليه من حبه لها وكلفه بها ما جعله يسير معه إلى عمه يسترضيه، فقال له: إنه مملق وليس له ما يصلح به أمره.
فقال له عمر: وكم الذي تريده منه؟ فقال له: أربعمائة دينار، فقال له: هي علي فزوجه، ففعل.
قالوا: وكان عمر حلف لا يقول بيتا من الشعر إلا أعتق رقبة فانصرف يومئذ وهو حزين، فجعلت جارية له تكلمه فلا يرد عليها جوابا، فقالت له: إن لك لأمرا، وتريد أن تقول شعرا، فقال:
Unknown page