لم يكن يظهر منه إلا القدمان والساقان، ركبتاه بارزتان مدببتان من تحت المنامة، أتكون عيناه في ركبتيه؟ ما إن تفتح الكتاب وتقرأ حتى تراهما تهتزان، تتوجسان! - اتركي الكتاب. - الامتحان غدا ولم أكمل القراءة، و... - أنا جعان.
نظرت للساعة في يدها، التاسعة وعشر دقائق، جهزت له الأكل منذ ساعة واحدة، كيف يجوع بهذه السرعة؟ وإن جاع فالوعاء فوق الموقد، والمطبخ على بعد ثلاث خطوات، رآه جالسا يهز ركبتيه، يحرك قدميه في الهواء، يطرقع أصابعه. - عطشان.
لم يكف عن الطلب، كالطفل، لا يستطيع أن يطعم نفسه، ولا يسقي نفسه، ما إن يراها تفتح الكتاب حتى يصيح، كأنما الكتاب رجل آخر يأخذها منه.
تخفي الكتاب تحت الوسادة، تنتظر حتى ينام، ويغرق في النوم، يتصاعد الشخير بذلك الإيقاع المنتظم، تفتح الكتاب وتقرأ، كانت هناك وصية من الإلهة الأم إلى ابنتها: «لا تنسي أمك. احمليها كما حملتك. حملتك في بطنها طول السنة. أعطتك حياتها وماتت.»
في هدأة الليل يسري الصوت في أذنيها، لم تسمع صوت أمها إلا وهي جنين في الرحم.
تراه يتقلب في نومه كأنما يسمع الصوت، تنتصب شعيراته في توجس، يفتح عينيه فجأة فتخفي الكتاب، ينقلب على الجنب الآخر ويعاود النوم، ترقد في مكانها تنتظر، لا تعرف إن كان نائما أو متظاهرا بالنوم، أنفاسه لم ترتفع بعد، وإيقاع الشخير لم ينتظم. - صاحية؟
تغمض عينيها وتطبق شفتيها، تترك أنفاسها تعلو وتهبط، ثم تسقط في النوم، يتهاوى جسدها إلى أسفل كأنما سقط في بئر. •••
كان كل شيء يغدو مبللا، حتى أغطية الفراش، بلولة سوداء نفاذة الرائحة، رأته يجثو على يديه وقدميه، ثم مد ذراعه نحوها، راح يحدق في وجهها دون أن يغير وضعه، شفتاه منفرجتان على نحو غير طبيعي، يكشف عن الشعر فوق صدره.
أدركت أنه سيمضي قدما في تلك اللعبة، فانقبضت عضلاتها وأحكمت إغلاق جسدها، أطبقت شفتيها وتظاهرت بالنوم.
اشتد تدفق السائل الأسود بصوت كالشلال، ارتفع حتى ركبتيه وهو جالس، نهض بجسد ثقيل يتثاءب، يدعك عينيه، تمخط في الحوض، أحضر من المطبخ مغرفة الأكل، بدأ يغرف من الأرض، ينحني بجذعه إلى أسفل، يملأ المغرفة، يرفعها بذراعيه، ومعها نصفه الأعلى، ويفرغها في البرميل، يملأ البرميل وراء البرميل دون توقف. - المنسوب يرتفع بشكل مفزع! - خير من عند الله. - إني أختنق. - لا تقفي هكذا، اهبطي بركبتيك.
Unknown page