لقد قلت إنك ستسأم، وإني أرجو في قلبي أنك الآن تسأم، فما أحلى أن أشفيك من هذا السأم بالقبلات عندما أعود، فستأخذني، وتسمع مني كل صغيرة جرت لي، وسيخفق قلبك عندما تعرف مقدار اشتياقي لكي أرجع إليك. يا أعز أعزائي، ويا أحب أحبائي! ليباركك الله. إني أفكر فيك في كل ساعة، في كل لحظة. وإني أحبك، وأعجب بك كإعجابي بأعظم شيء. ليتني الآن عندك، فأطوقك بذراعي، وأجعلك تنام نوما هنيئا ما شعرت بأرق منه منذ سافرت. لك المساء الخير. اذكرني في أحلامك.
وخلاصة القول وأرجحه، أن كارليل لم يسئ إلى زوجته، وإنما كانت ظروف صناعته تحبب إليه الوحدة، وهذا شر ما تكرهه المرأة في زوجها. ولم يرزقا الأطفال، وهم سلوى الأم وعزاؤها وقت فتور الحب. ثم كانت عادة تعاطي المخدرات، وهي وحدها تكفي لهدم أقوى الأعصاب، فكانت هذه الظروف مجتمعة علة شقاء هذين الزوجين وسببا في ذهاب حبهما السابق.
فيكتور هيجو ومدام درويه
الأدباء صنفان، أحدهما يرمي إلى غاية فلسفية، أو إلى مثل أعلى، يتحرى في أكثر ما يكتب أن يبلغهما، ويحث غيره على بلوغهما، فهو يعد نفسه مركزا للكون، قد تمركزت فيه مقاصده العليا، فيرى من ذلك أن واجبه الحتم يقضي عليه أن يحقق هذه المقاصد؛ لأنها ليست مقاصده فحسب، بل هي مقاصد الكون أيضا، فهذا هو رجل الفن.
وثم صنف آخر ليس له مثل أعلى ولا غاية فلسفية، تعنيه الصيغة، فلا يبالي بالغاية، قصاراه أن يترنم ويشدو، فإذا كتب ذهب جهده في وصف الألفاظ وتنسيقها، وتنسيق عبارته وتزيينها، فهذا هو رجل الصنعة؛ أدبه أدب الفسيفساء والدنتله.
وكان فيكتور هيجو من هذا الصنف الثاني، يؤلف القصائد والقصص والدراسات، فيصوغها أحسن صياغة، يجيد حبك العبارة، ويأتي بالعجب في تشبيهاته واستعاراته ومجازاته، ولكنه كان في جميع ما كتب خلوا من الغاية الفلسفية. والناس في كل مكان، وبخاصة إذا كانت عواطفهم تسود عقولهم، تفتنهم الصنعة في الكتابة؛ لأنها نوع من أنواع الشدو والترنم، فللأسلوب الحسن المحبوك المزين إيقاعات تشبه إيقاعات الموسيقى، تبعث في النفس السرور، فكان فيكتور هيجو محبوبا لهذا السبب عند العامة، مشهورا بينهم. وقد عاش مدة طويلة، واشتغل بالسياسة، فصارت حياته ومؤلفاته رمزا ودليلا على فترة طويلة من الزمن في تاريخ فرنسا. وهذا وحده هو ما سيضمن بقاء مؤلفاته وكتاباته، واعتبارها سندا من أسانيد تاريخ عصره.
وكان مما يتسم به هيجو، فوق إتقانه الصنعة وتماديه فيها، وإغراقه في الانكباب على وصف الألفاظ، أنه كان لا يدري معنى الفكاهة، فكان لذلك لا يلحظ السخف الذي يحدثه الإغراق في الصنعة، وكان أيضا على شيء كبير من الغرور والتيه، فلا يأبه للنقد.
حدث مرة أن وضع قصة تدعى «الرجل الذي يضحك»، وجعل أحد أفرادها من نبلاء الإنجليز، ودعاه باسم توم جم جاك. وكان هذا الاسم أشبه بالمهرجين منه بالنبلاء، فانتقد عليه ذلك أحد الإنجليز في لطف وكياسة، فما كان من هيجو إلا أن شمخ بأنفه منكرا عليه ما لاحظه، مدعيا أنه يدرك من الذوق في التسمية عند الإنجليز أكثر من هذا الإنجليزي.
وفي كتاب آخر أخطأ في اسم الموسيقى الاسكوتلاندية المعروفة، فكتبه
Bugpipes ، فلاحظ ذلك عليه أحد الاسكوتلانديين، وطلب إليه تحرير اللفظة بأن يجعل الحرف الثاني
Unknown page