وكانت تقول: إن الرابطة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون مقدسة، إذا كان الحب قد قدسها. ومن الحكم التي اشتهرت عنها قولها في التمييز بين الحب والشهوة: «الحب يعطي، أما الشهوة فتأخذ.»
وكانت في ذلك الوقت في السابعة والعشرين من عمرها، ولم تكن جميلة، وإنما كان فيها شيء من الملاحة والخفة؛ فقد كانت ربعة، تميل إلى النحافة، وكان بعينيها شيء من الجحوظ. وكان في حركاتها رشاقة تفتن الناظر، فيها شيء من الجرأة والخوف معا، فإذا تكلمت تفتحت فيسقط بذلك حاجز الخجل بينها وبين من يخاطبها لأول تعارف، فإذا جودلت واستثيرت تدفقت، فتنكشف عندئذ شخصيتها عن طبيعة حافلة بالكنوز، تائقة إلى بذلها والسخاء بها.
وانتهت صلتها بجول ساندو بحادثة غريبة؛ فقد سافرت إلى زوجها لكي ترى أولادها، وعادت دون أن تؤذنه قبلا بعودتها. ولعل غرضها كان أن تفاجئه مفاجأة الحبيبين، ولكنها عندما دخلت عليه وجدته يعانق فتاة، فانتهى هذا الهوى الأول بقطيعة نهائية.
ووقعت خيانة حبيبها في نفسها أشد وقع، حتى شعرت بعدها كأن عواطفها قد ماتت، فصارت تتجنب الرجال، وتتحامى لقاءهم. وتعرفت إلى فتاة ممثلة تدعى ماري دورفال، كانت ترافقها وتلازمها حتى ذهب عنها أثر تلك الصدمة.
وبعد سنوات من هذه الحادثة عرفت الكاتب الشاعر القصصي ألفرد دو موسيه، وكان غاية في الجمال والذكاء. وكانت جورج صاند أكبر منه بسبع سنوات حين التقت به، وتعلق كل منهما بالآخر، وذهبا إلى إحدى ضواحي باريس لكي يقضيا - كما قالت جورج صاند - شهر العسل، دون زواج. وبعد ذلك عقدا نيتهما على رحلة طويلة في إيطاليا، وسافرا إلى البندقية؛ حيث استأجرا مسكنا فيها، وأقاما مدة قصيرة، انتهت بقطيعة عاجلة، وكان سبب ذلك أن «دو موسيه» أصيب بمرض أقعده، ولم يكن حب صاند له إلا حب الشهوة؛ فقد كان شابا في الثالثة والعشرين من عمره، وكانت هي في الثلاثين، فلما مرض سئمته، وقد مرضته بمعونة طبيب إيطالي وسيم يدعى باجالو، شفاه من مرضه، وشفاها هي من حب دو موسيه.
وعلقت هذا الطبيب، فهجرت حبيبها السابق في البندقية، يعض أصابع الندم، وسافرت هي مع هذا الطبيب الإيطالي إلى باريس، وشاعت حكاية حبها مع ألفرد دي موسيه، والمسلك السافل الذي سلكته معه، فصار يحذرها كل أحد، ويتحامى مراوداتها جميع الأدباء. وقد حاولت أن تصيد قلب فيكتور هيجو فأبى، وحاولت أن تفعل مثل ذلك بدوماس الكبير، فقهقه في وجهها. ولم تنل شيئا من بلزاك.
وحاولت أن تصلح ما بينها وبين ألفرد دو موسيه بعد ذلك، حتى جزت شعرها، وأعطته له علامة ولائها وأمانتها، ولكنه منذ حادثة البندقية لم يكن ينظر إليها إلا بالتوجس والحذر.
ونالت مكانة كبيرة في الأدب، حتى ربحت منه نحو خمسين ألف جنيه. وقد كان هذا مبلغا في عصرها، وعندما أوشكت أن تشعر أن سوقها في الحب قد كسدت، نالت حظوة في عيني الموسيقي العظيم شوبان، فعاشت معه نحو ثماني سنوات، وقد زار كلاهما في بدء غرامهما جزيرة ميورقة، فأصيب شوبان بسعال، حتى كتبت عنه جورج تقول: «إنه يسعل برشاقة عجيبة.» وقالت أيضا: «إنه كثير التقلب، وليس فيه شيء ثابت لا يريم عنه، سوى سعاله.»
وقد كتبت مجلدات عن علاقتهما، وكان لجورج صاند نفسها نصيب كبير فيما كتب، اعترفت فيه بأشياء وتفصيلات كثيرة عن علاقتهما بما عهد الناس فيها من الصراحة.
وانقطعت علاقتهما في سنة 1847. وقال شوبان عنها في ذلك الوقت: «لم ألعن واحدا قط، ولكني سئمت الحياة حتى أراني أكاد ألعنها .» ومات شوبان في سنة 1849.
Unknown page