وكان نابليون وهو في جزيرة إلبا يرسل في طلب زوجته وابنه، فلا تصل الرسائل؛ إذ كانت حكومة النمسا تتسلمها وتمنع وصولها. ورأى الكونت نيبرج أن ينتقم من نابليون، فصار يتودد إلى ماري لويز، يغني لها في لغتها، ويتندر لها القصص، ويتنزه معها في الجبال والوديان، ويتلطف لها في الرعاية والخدمة، وكان قلبها أجوع ما يكون إلى مثل هذه المعاملة، بعد أن رأت من نابليون جفاء الطبع وقساوته.
لذلك مالت إلى الكونت نيبرج، وتزوجت به زواجا سريا بعد وفاة نابليون، وولدت له ثلاثة أولاد، قبلما مات سنة 1829.
ونسيت نابليون، ولم تعد تفكر فيه، ولما بلغها موته لم تعر الخبر أقل أهمية، بل خرجت على الفور في نزهة مع الكونت نيبرج.
أما نابليون فكان في جزيرة سانت هيلانة يتحرق غيظا لمنعه من مراسلة زوجته، ولم يكن يعرف قصة حبها لنيبرج، ولكنه عندما عرف لم يقل شيئا في ماري لويز، ولم يقدح في عرضها.
وقبيل موته قال لطبيبه: «أرجو أن تأخذ قلبي بعد موتي، وتضعه في كئوس، وتحمله إلى بارما حيث حبيبتي ماري لويز، وأرجو أن تخبرها بأني أحببتها، وأن حبي لها لم ينقطع، وأخبرها بما رأيت، وجميع ما يختص بمركزي ومودتي.»
وتكاد تكون قصة نابليون وامرأته أن تكون مأساة، لولا أنها مشوبة بفظاظة نابليون وجمود ماري لويز، ومع ذلك ففيها عبرة جديرة بأن يفهمها كل إنسان، وهي أن الحب لا يأتي اقتسارا، ولا يؤخذ غصبا؛ فإن مفاتيح القلوب هي العطف والحنان والولاء.
بيرون وتيريزا
كان بيرون من أكبر شعراء إنجلترا. كان ينظم الشعر عن سليقة عجيبة، تؤاتيه في التعبير والخيال عن جميع ما تناوله من الموضوعات، وكانت حياته أيضا أشبه شيء بقصيدة حافلة بمجازفات الحب والحرب والسياحة.
وقد كان بيرون، وهو بعد صبي، يشعر بدوافع الغريزة الجنسية، قبل أن يتم نموها فيه، فكان وهو في الثامنة من عمره متعلقا بصبية تدعى ماري دف أشد تعلق. ولما بلغ العاشرة أحب ابنة عمه، وعندما بلغ الخامسة عشرة أحب فتاة في السابعة عشرة حبا أعمى، فكان يقفو أثرها أينما ذهبت، لا يسمع لنصيحة ولا يرعوي إلى كلام أصدقائه وذوي قرباه.
وقد ولد في يسار، من أصل نبيل، فهوى الشعر ثم احترفه. وما بلغ الرابعة والعشرين، ونشر على الجمهور علياءته الكبرى (تشايلد هارولد) حتى صار شاعر إنجلترا الأول. وقد ربح من هذه العلياءة نحو أربعة آلاف جنيه، فقويت عزيمته في الشعر والحب، فلم يكن له من شغل وسلوى سواهما ، يراوح بينهما، حتى أجمهما في النهاية، كما يأجم الإنسان نوعا طيبا من الطعام قد لزمه مدة طويلة.
Unknown page