فلا تكرميه أن تقولي له مهلا
فاستحسنه وطرب. ثم قال: إن هاتين اختلفتا في صوت لك فاقض بينهما.
فقال لحبابة: غني. فغنت. وقال لسلامة: غني. فغنت. فقال: الصواب ما قالت حبابة. فقالت سلامة: والله يا ابن الفاعلة إنك لتعلم أن الصواب ما قلت، ولكنك سألت أيتهما آثر عند أمير المؤمنين، فقيل لك حبابة فاتبعت رضاه وهواه. فضحك يزيد وطرب، وأخذ وسادة فصيرها على رأسه، وقام يدور في الدار ويرقص ويصيح: السمك الطري أربعة أرطال عند بيطار حيان، حتى دار الدار كلها، ثم رجع فجلس في مجلسه، وأنشأ هذين البيتين:
أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر
ما للفؤاد سوى ذكراكمو وطر
إن سار صحبي لم أملك تذكركم
أو عرسوا فهموم النفس والسهر
فغناها معبد، وطرب يزيد.
وقيل في وفاة حبابة إن يزيد بن عبد الملك نزل ببيت رأس بالشام ومعه حبابة، فقال يزيد: زعموا أنه لا تصفو لأحد عيشة يوما إلى الليل إلا يكدرها شيء عليه، وسأجرب ذلك. ثم قال لمن معه: إذا كان غد فلا تخبروني بشيء، ولا تأتوني بكتاب. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمانة، فشرقت بحبة منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا، حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويرشفها. فعاتبه على ذلك ذوو قرابته، وهابوا عليه ما يصنع وقالوا: لقد صارت جيفة بين يديك، فأذن لهم في غسلها ودفنها. فأخرجت في نطع، وخرج معها لا يتكلم، حتى جلس على قبرها ، فلما دفنت قال: أصبحت والله كما قال كثير:
فإن يسل عنك القلب أو يدع الصبا
Unknown page