ولقد استوطن أفلاطون بلدا موبوءا، فسئل عن ذلك فقال: «حتى إذا لم أمتنع عن الشهوات لمضرة النفس، امتنعت عنها بالضرورة تجنبا لمضرة البدن.»
والامتناع عن الشهوة أمر لا يختلف فيه اثنان، فقد قيل لبعض حكماء الروم: «من هو الملك الأعظم؟» فأجاب: «أن يقهر الإنسان شهوته.» كما سئل فيليمون: «أي الملوك أفضل؟» فأجاب: «من ملك شهواته ولم يستعبده هواه.»
قال المتوكل: «اعلم أيها الإنسان لو خلق فيك شوق إلى لقاء الله، وشهوة إلى معرفة جلاله أقوى من شهوتك للطعام والنكاح، لكنت تؤثر جنة المعارف ورياضها وبساتينها على الجنة التي فيها قضاء الشهوات المحسوسة.»
وتجمع الحكم والأمثال العربية على نبذ الشهوة، والحث على كبح جماحها، كما يتضح من الأمثال الآتية: «عبد الشهوة أذل من عبد الرق.» «من أمات شهوته أحيا مروءته.» «شهوة العاقل من وراء فكرته، وفكرة الأحمق من وراء شهوته.» «من صبا إلى الشهوات أورثته النكبات.» «من أحب الشهوات أبغض نفسه.» «كن للشهوات عزوفا تنفك من أسرها، فمن قهرته الشهوة كان عبدا لها، ومن استعبدته الشهوة ذل بها.» «علاج الشهوات مخالفتها.» «من غلب الشهوات غلب العالم.» «صفت النار بالشهوات والجنة بالمكاره.»
والشهوة عند أبي حاتم المظفر شهوتان؛ شهوة أو لذة جسمية، وشهوة أو لذة عقلية، ويرى أن نسبتهما إلى بعض كنسبة المتنسم إلى المتطعم. ويحدثنا أبو الفتح بن أبي سعيد عن هاتين الشهوتين فيقول: «من طلب شهوة عقلية فليس له أن يطلب لذة حسية تمنعه عنها؛ كي لا يكون كمن باع الذهب بالخزف.»
أما اللذات العقلية فهي عند «بهمن يار» شفاء لا يعقبه داء، وصحة لا يلزمها سقم.
ويربط أرسطو الشهوة بالضعف. فقد سئل يوما: «في أي وقت ترى الباه؟» فقال: «إذا اشتهيت أن أضعف.» والشهوة عنده يندر من لم يصطرع بها. أما عند «دي سنانكور» فهي بداية الاضمحلال. ويعتقد «سومرت موم» أن أنجع وسيلة للقضاء على الشهوات هي إشباعها، في حين يقول كراتوس: «إذا أردت ألا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك.»
ولإلياس أبي شبكة رأيه في الشهوة الجسدية، فهي عنده ضرورية، ولا مانع من أن يهلك ويفنى بسببها، فيقول:
جملي لي الجسد
واسكبي لي الرحيق
Unknown page