How Should We Interpret the Holy Quran
كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم
Publisher
المكتبه الإسلامية
Edition Number
الأولى ١٤٢١هـ
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فهذه رسالة: "كيف يجبُ علينا أن نفسر القران الكريم؟ " وأصلها أسئلة أُلقيت على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، فأجاب عنها مسجلةً، ثم فُرغت وطبعت في أوراق، وقدمت للشيخ رحمه الله تعالى، فقرأها وعلق عليها بخط يده.
وقد رأت المكتبة الإسلامية في عمان أن تنشرها اليوم لتعم بها الفائدة، ولينتشر علىُ الشيخ ﵀، وليؤجر عليها في قبره ﵀.
وهي على صغر حجمها عظيمة الفائدة كبيرة النفع للأمة الإسلامية بأسرها، إذ إنها توضح الأصول والقواعد التي يجب
1 / 3
علينا أن ننهجها إذا أردنا أن نفسر القران الكريم بالطريقة الصحيحة التي يرضاها ربنا ﵎، والتي شرعها على لسان نبيه ﷺ، ثم اتبعها من بعده خير هذه الأمة: صحابته، ثم التابعون لها بإحسان ﵃ أجمعين.
كما أن فيها على صغر حجمها الشيء الكثير من القواعد العامة التي تهم كل مسلم يريد أن يكون من الفرقة الناجية، والتي يجب عليه أن يتمسك ويعمل بها حتى تقوده إلى الطريق الصحيح، كقاعدة "كلما أُحييت سنة أُميتت سنة" وغيرها من تلك القواعد النورانية التي فتح الله بها على الشيخ ﵀ وغفر له، فقد كان واسع العلم والمعرفة بشريعة الإسلام وبسنة رسولنا ﷺ وصدق ربنا إذ يقول: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادل ١١] . رحم الله الشيخ، وجزى القائمين على نشر علمه من بعده خيرًا، ونفع بهذا العلم كل مسلم أطلع عليه.
الناشر
عمان في ٤ ذي الحجة ١٤٢٠هـ
1 / 4
سؤال ١: عن صحة حديث: "خذ من القران ما شئت لما شئت"
...
سؤال ١: فضيلة الشيخ! قرأت في كتاب صغير حديثًا يقول: "خذ من القران ما شئت لما شئت" فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب: هذا الحديث: "خذ من القران ما شئت لما شئت" ١؛ حديث مشتهر على بعض الألسنة ولكنه –مع الأسف الشديد - من تلك الأحاديث التي لا أصل لها في السنة ولذلك فلا يجوز روايته ونسبته إلى النبي ﷺ.
ثم ذا المعنى الواسع الشامل لا يصخ ولا يثبت مطلقًا في شريعة الإسلام: "خذ من القران ما شئت لما شئت" فمثلا إن أنا جلست في عقر داري، ولا أعمل في مهنتي وصنعتي، وأطلب الرزق من ربي أن ينزله علي من السماء لأني اخذ من القران لهذا! من يقول هذا؟!
هذا كلام باطل، ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طُبعوا على الجلوس والسكن فيما يسمونها بالرباطات، ينزلون فيها وينتظرون رزق الله ممن يأتيهم به من الناس، عملًا أن هذا ليس من طبيعة المسلم، لأن النبي ﷺ قد ربى المسلمين
_________
١ "الضعيفة" "٥٥٧".
1 / 5
جميعًا على علو الهمة، وعلى عزة النفس، فقال ﵊: "اليدُ العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" ١.
ويُعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية – ولا أطيل في ذلك، فقصصهم كثيرة وعجيبة -:
زعموا أن أحدهم خرج سائحًا ضاربًا في الأرض بغير زاد، فوصل الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعًا، فبدت له من بعيد قرية، فأتى إليها، وكان اليوم يوم الجمعة، وهو بزعمه خرج متوكلًا على الله، فلكيلا ينقض بزعمه توكله المزعوم، لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد، وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر، لكيلا يشعر به أحد، لكنه كان يحدث نفسه لعل أحدًا يُحس به، وهكذا خطب الخطيب خطبته، وهو لم يُصل مع الجماعة! فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة، وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحدانًا من أبواب المسجد، حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس، وحينئذٍ تُقفل الأبواب، ويبقى وحيدًا في المسجد من غير طعام ولا شراب، فلم يسعه إلا أن
_________
١ البخاري "١٤٢٩" واللفظ له، مسلم "١٠٣٣".
1 / 6
يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين، فالتفت بعس الناس، فوجدوه قد تحول كأنه عظم من الجوع والعطش، فأخذوه وأغاثوه.
وسألوه: من أنت يا رجل؟!
قال: أنا زاهد متوكل على الله.
قالوا: كيف تقول: متوكل على الله، وأنت كدت أن تموت؟! ولو كنت متوكلًا على الله لما سألت، ولما نبهت الناس إلى وجودك بالنحنحة، حتى تموت بذنبك؟!
هذا مثال إلى ما يؤدي به مثلُ هذا الحديث "خذ من القران ما شئت لما شئت".
والخلاصة: أن هذا الحديث لا أصل له.
سؤال ٢: استفسار عن رأي الشيخ في تمسك القراَنيين بقول القرآنيين بقول الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ... سؤال ٢: فضيلة الشيخ! يقول القرآنيون: قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ الإسراء:١٢ [وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾] الأنعام: ٣٨ [ويقول الرسول ﷺ: "إن هذا القران طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا" ١. نرجو من فضيلتكم التعليق على ذلك. _________ ١ صحيح الترغيب والترهيب" "١/٩٣/٣٥".
سؤال ٢: استفسار عن رأي الشيخ في تمسك القراَنيين بقول القرآنيين بقول الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ... سؤال ٢: فضيلة الشيخ! يقول القرآنيون: قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ الإسراء:١٢ [وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾] الأنعام: ٣٨ [ويقول الرسول ﷺ: "إن هذا القران طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا" ١. نرجو من فضيلتكم التعليق على ذلك. _________ ١ صحيح الترغيب والترهيب" "١/٩٣/٣٥".
1 / 7
الجواب: أما قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾] الأنعام: ٣٨، فهذه الآية إنما تعني الكتاب هُنا: اللوح المحفوظ، ولا تعني: القران الكريم.
أما قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ الإسراء:١٢، فإذا ضممتم إلى القران الكريم ما تقدم بيانه آنفا، فحينئذٍ يتم أن الله ﷿ قد فصل كل شيء تفضيلًا، لكن بضميمة أخرى، فإنكم تعلمون أن التفصيل قد يكون تارة بالإجمال، بوضع قواعد عامة يدخل تحتها جزئيات لا يمكن حصرها لكثرتها، فبوضع الشارع الحكيم لتلك الجزئيات الكثيرة قواعد معروفة ظهر معنى الآية الكريمة، وتارة التفصيل وهو المتبادر من هذه الآية، كما قال ﵊: "ما تركتُ شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركتُ شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه" ١.
فالتفصيل إذًا تارة يكون بالقواعد التي لا تدخل تحتها جزئيات كثيرة، وتارة يكون بالتفصيل لمفردات عبادات وأحكام تفصيلًا لا
_________
١ "الصحيحة" "١٨٠٣".
1 / 8
يحتاج إلى الرجوع إلى قاعدة من تلك القواعد.
ومن القواعد التي لا يدخل تحتها فرعيات كثيرة – وتظهر بها عظمة الإسلام وسعة دائرة الإسلام في التشريع – قوله ﷺ على سبيل المثال:
"لا ضرر ولا ضرار" ١.
وقوله ﵇: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" ٢.
وقوله ﵇: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" ٣.
هذه قواعد وكليات لا يفوتها شيء مما يتعلق بالضرر بالنفس أو الضرر بالمال في الحديث الأول، وما يتعلق بما يُسكر كما في الحديث الثاني، سواء كان المسكر مستنبطًا من العنب – كما هو المشهور - أو من الذرة، أو من أي مادة من المواد الأخرى، فما دام
_________
١ "صحيح الجامع" "٧٥١٧".
٢ "إرواء الغليل" "٨/٤٠/٢٣٧٣".
٣ "صحيح الترغيب والترهيب" "١/٩٢/٣٤"، و"صلاة التراويح" "ص ٧٥".
1 / 9
لأنه مُسكر فهو حرام.
كذلك في الحديث الثالث: لا يمكن حصر البدع لكثرتها، ولا يمكن تعدادها ومع ذلك فهذا الحديث – مع إيجازه - يقول بصراحة "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
هذه تفصيل لكن بقواعد.
وأما الأحكام التي تعرفونها، فهي مفصلة بمفردات جاء ذكرها في السنة على الغالب، وأحيانًا كأحكام الإرث مثلًا فهي مذكورة في القران الكريم.
أما الحديث الذي جاء ذكره، فهو حديث صحيح، فالعمل به هو الذي بإمكاننا أن نتمسك به، وكما جاء في الحديث "تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة رسوله" ١.
فالتمسك بحبل الله – الذي هو بأيدينا - إنما هو العمل بالسنة المُفصلة للقرآن الكريم.
_________
١ "مشكاة المصابيح" "١/٦٦/١٨٦".
1 / 10
سؤال ٣: عن مدى صحة قول من يقول: إذا عارض الحديث اية من القران فهو مردود
...
سؤال ٣: هناك من يقول: إذا عارض الحديث آية من القران، فهو مردود. مهما كانت درجة صحته، وضرب مثالًا لذلك بحديث "إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه" ١، واحتج بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله عزوجل ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾] فاطر:١٨ [، فكيف على يُرد على من يقول ذلك؟
الجواب: رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقران وهو يدل على انحراف ذلك الخط.
أما الجواب عن هذا الحديث – وأخص به من تمسك بحديث عائشة ﵂ فهو: أولًا: من الناحية الحديثية: فإن هذا الحديث لا سبيل لرده من الناحية الحديثية لسببين اثنين:
الأول: أن جاء بسند صحيح عن ابن عمر ﵄.
الثاني: أنه ابن عمر ﵁ لم يتفرد به، بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم يتفردا به، فقد تابعهما المغيرة ن شُعبة، وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات عن
_________
١ "صحيح الجامع" "١٩٧٠"
1 / 11
هؤلاء الصحابة الثلاثة ﵃ في الصحيحين.
أما لو أن الباحث بحث يحثًا خاصًا في هذا الحديث فيسجد له طرقًا أخرى، وهذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تُرد بمجرد دعوى التعارض مع القران الكريم.
ثانيًا: من الناحية التفسيرية: فإن هذا الحديث قد فسره العلماء بوجهين:
الوجه الأول: أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان يعلم في قيد حياته أن أهله بعد موته سيرتكبون مخالفات شرعية، ثم لم ينصحهم ولو يوصهم أن لا يبكوا عليه، لأن البكاء يكون سببًا لتعذيب الميت.
و"ال" التعريف في لفظ "الميت" هنا ليست للاستغراق والشمول، أي: ليس الحديث بمعنى أن كل ميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وإنما "ال" هنا للعهد، أي: الميت الذي لا ينصح بألا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع، فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه، أما من قام بواجب النصيحة، وواجب الوصية الشرعية بألا
1 / 12
ينوحوا عليه، وألا يأتوا بالمنكرات التي تُفعل خاصة في هذا الزمان، فإنه لا يُعذب وإذا لم يُوص لم ينصح عُذب.
هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين، كالنووي وغيره، وإذا عرفنا هذا التفصيل، وضح ألا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾] فاطر:١٨ [، إنما يظهر التعارض فيما لو فُهم أن "ال" في لفظ "الميت" إنما هي للاستغراق والشمول، أي: كل ميت يُعذب، حينئذٍ يُشكل الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة، أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه آنفا، فلا تعارض ولا إشكال، لأن الذي يُعذب إنما يُعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية، هذا الوجه الأول مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض المدعي.
أما الوجه الثاني: فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في بعض مصنفاته، أن العذاب هنا ليس عذاباُ في القبر، أو عذابًا في الآخرة، وإنما هو بمعنى التألم وبمعنى الحزن، أي: إن الميت إذا
1 / 13
سمع بكاء أهله عليه، أسف وحزن لحزنهم هم عليه.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا لو صح لاستأصل شأفة الشبهة.
لكني أقول: أن هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلا أن نعتمد على التفسير الأول للحديث:
الحقيقة الأولى: أن في حديث المغيرة بن شعبة ﵁ الذي أشرت إليه آنفا زيادة تبين أن العذاب ليس بمعنى التألم، وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر، أي: عذاب النار، إلا أن يعفو الله ﵎، كما هو صريح قوله عزوجل ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾] النساء:٤٨ [، ففي رواية المغيرة قال: "إن الميت ليُعذب ببكاء أهله يوم القيامة"، فهذا صريح بأن الميت يُعذب بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة، وليس في القبر، وهو الذي فسره ابن تيمية بالألم والحزن.
الحقيقة الأخرى: هي أن الميت إذا مات لا يحس بشيء يجري من حوله، سواء أكان هذا الشيء خيرًا أو شرًا – كما تدل عليه أدلة الكتاب والسنة – اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في
1 / 14
بعض الأحاديث، إما كقاعدة لكل ميت، أو لبعض الأموات، حيث أسمعهم الله عزوجل بعض الشيء الذي يتألمون به.
فمن الأول: الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه – حتى إنه سمع قرع نعالهم – أتاه ملكان" ١، ففي هذا الحديث الصحيح إثبات سمع خاص للميت في وقت دفنه، وحين ينصرف الناس عنه، أي: في الوقت الذي يُجلسه الملكان أُعيدت الروح إليه، فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال، فلا يعني الحديث بداهة أن هذا الميت وكل الأموات تُعاد إليهم أرواحهم، وأنهم يظلون يسمعون قرع النعال المارة بين القبور إلى يوم يبعثون! لا.
إنما هذا وضعٌ خاص وسماع خاص من الميت، لأنه أُعيدت روحه إليه، وحينئذٍ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية ﵀، وسعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله، سواءً عند نشعه قبل دفنه، أو بعد وضعه في قبره، ومعنى ذلك: أن يسمع بكاء الأحياء عليه وهذا
_________
١ "صحيح الجامع" "١٦٧٥".
1 / 15
يحتاج إلى نص، وهو مفقود. هذا أولًا.
وثانيًا: بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى لا يسمعون، وهذا بحث طويل، ولكني سأذكر حديثًا واحدًا، وأنهي الجواب عن السؤال وهو قول النبي ﷺ "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام" ١، وقوله "سياحين" أي: طوافين على المجالس، فكلما صلى مسلم على النبي ﷺ، فهناك ملك موكل يوصل السلام من ذاك المسلم إلى النبي ﷺ، فلو كان الأموات يسمعون، لكان أحق هؤلاء الأموات أن يسمع هو نبينا ﷺ، لما فضله الله ﵎، وخصه بخصائص على كل الأنبياء والرسل والعالمين، فلو كان أحدٌ يسمع لكان النبي ﷺ ثم لو كان النبي ﷺ يسمه شيئا بعد موته، لسمع صلاة أمته عليه.
ومن هنا تفهمون خطأ – بلا ضلال – الذين يستغيثون ليس بالنبي ﷺ بل وبمن دونه، سواء كانوا رسلا أو أنبياء أو صالحين، لأنه لو استغاثوا بالرسول ﵊ لما سمعهم، كما
_________
١ "صحيح الجامع" "٢١٧٤".
1 / 16
هو صريح القران ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾] الأعراف:١٩٤ [، و﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾] فاطر:١٤ [إلى آخر الآية.
إذا فالموتى من بعد موتهم لا يسمعون، إلا ما جاء النص في قضية خاصة – كما ذكرت آنفا – من سماع الميت قرع النعال، وبهذا ينتهي الجواب عن هذا السؤال.
سؤال ٤: عن حكم فتح المسجلة على القران والانشغال عن سماعه ... سؤال ٤: إذا كانت المسجلة مفتوحةً على القرآن الكريم، وبعض الحاضرين لا يستمعون بسبب أنهم مشغولون بالكلام، فما حكم عدم الاستماع؟ وهل يأثم أحد من الحاضرين أو الذي فتح المسجلة؟ الجواب: الجواب عن هذه القضية يختلف باختلاف المجلس الذي يُتلى فيه القران من المُسجلة، فإن كان المجلس مجلس علم وذكر وتلاوة قران، فيجب – والحالة هذه – الإصغاء التام، ومن لم يفعل فهو آثم، لمخالفته بقول الله ﵎ في القران ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾] الأعراف:٢٠٤] .
سؤال ٤: عن حكم فتح المسجلة على القران والانشغال عن سماعه ... سؤال ٤: إذا كانت المسجلة مفتوحةً على القرآن الكريم، وبعض الحاضرين لا يستمعون بسبب أنهم مشغولون بالكلام، فما حكم عدم الاستماع؟ وهل يأثم أحد من الحاضرين أو الذي فتح المسجلة؟ الجواب: الجواب عن هذه القضية يختلف باختلاف المجلس الذي يُتلى فيه القران من المُسجلة، فإن كان المجلس مجلس علم وذكر وتلاوة قران، فيجب – والحالة هذه – الإصغاء التام، ومن لم يفعل فهو آثم، لمخالفته بقول الله ﵎ في القران ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾] الأعراف:٢٠٤] .
1 / 17
أما إذا كان المجلس ليس مجلس علم ولا ذكر ولا تلاوة قران، وإنما مجلس عادي، كأن يكون إنسان يعمل في البيت، أو يدرس أو يطالع، ففق هذه الحالة لا يجوز فتح آلة التسجيل، ورفع صوت التلاوة بحيث يصل إلى الآخرين الذين هم ليسوا مكلفين بالسماع، لأنهم لم يجلسوا له، والمسؤول هو الذي رفع صوت المسجلة وأسمع صوتها للآخرين، لأنه يُحرجُ على الناس، ويحملهم على أن يسمعوا للقران في حالة هم ليسوا مستعدين لهاالاستماع.
وأقرب مثال على هذا: أن أحدنا يمر في الطريق، فيسمع من السمان، وبائع الفلافل، الذي يبيع أيضًا هذه الأشرطة المُسجلة "الكاسيتات" فقد ملأ صوت القران، وأينما ذهبت تسمع هذا الصوت، فهل هؤلاء الذين يمشون في الطريق – كل في سبيله – هم مكلفون أن ينصتوا لهذا القران الذي يُتلى في غير محله؟! لا، وإنما المسؤول هو هذا الذي يُحرجُ على الناس، ويسمعهم صوت القران، إما للتجارة أو لإلفات نظر الناس، ونحو ذلك من المصالح المادية، فإذًا هم يتخذون القران من جهةٍ مزامير – كما جاء
1 / 18
في بعض الأحاديث"١٢"١، ثم هم يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا في أسلوب آخر غير أسلوب اليهود والنصارى الذين قال الله عزوجل في حقهم في هذه الآية ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾] التوبة٩.
_________
١ "الصحيحة" "٩٧٩".
سؤال ٥: عن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ... سؤال ٥: إن الله عزوجل يُخبر عن نفسه فيقول: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾] آل عمران:٥٤ [، فربما يضيق عقل بعض الناس عن فهم هذه الآية على ظاهرها، وبما أننا لسنا بحاجة للتأويل، فكيف يكون الله خير الماكرين؟! الجواب: المسألة سهلة بفضل الله، وذلك لأننا نستطيع أن نعرف أن المكر – من حيث هو مكر - لا يوصف دائمًا وأبداُ بأنه شر، كما إنه لا يوصف دائما وأبدا بأنه خير، فرُب كافر يمكر بمسلم، لكن هذا المسلم كيس فطن ليس مغفلا ولا غبيا، فهو متنبه لمكر خصمه الكافر، فيعامله على نقيض مكره هو، بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر بمكره السيئ، فهل يقال: إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر تعاطى أمرًا غير مشروع؟ لا أحد يقول هذا. ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله عليه الصلاة
سؤال ٥: عن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ ... سؤال ٥: إن الله عزوجل يُخبر عن نفسه فيقول: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾] آل عمران:٥٤ [، فربما يضيق عقل بعض الناس عن فهم هذه الآية على ظاهرها، وبما أننا لسنا بحاجة للتأويل، فكيف يكون الله خير الماكرين؟! الجواب: المسألة سهلة بفضل الله، وذلك لأننا نستطيع أن نعرف أن المكر – من حيث هو مكر - لا يوصف دائمًا وأبداُ بأنه شر، كما إنه لا يوصف دائما وأبدا بأنه خير، فرُب كافر يمكر بمسلم، لكن هذا المسلم كيس فطن ليس مغفلا ولا غبيا، فهو متنبه لمكر خصمه الكافر، فيعامله على نقيض مكره هو، بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر بمكره السيئ، فهل يقال: إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر تعاطى أمرًا غير مشروع؟ لا أحد يقول هذا. ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله عليه الصلاة
1 / 19
والسلام: "الحرب خدعة" ١، فالذي يقالُ في الخدعة يُقال في المكر تمامًا، فمخادعة المسلم لأخيه المسلم حرام، لكن مخادعة المسلم للكافر عدو الله وعدو رسوله هذا ليس حرامًا، بل هو واجب، كذلك مكر المسلم بالكافر الذي يريد المكر به –بحيث يبطل هذا المسلم مكر الكافر - هذا مكر حسن، وهذا إنسان وذاك إنسان.
فماذا نقول بالنسبة لرب العالمين القادر العليم الحكيم؟
ها هو يبطل مكر الماكرين جميعًا لذلك قال: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، فحينما وصف ربنا عزوجل نفسه بهذه الصفة؟ قد لفت نظرنا بأن المكر حتى من البشر ليس دائمًا، لأنه قال ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ فهناك ماكر بخير، وماكر بشر، فمن مكر بخير لم يُذم، والله عزوجل كما قال: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ .
وباختصار أقول: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، فإذا توهم الإنسان أمرًا لا يليق بالله، فليعلم رأسًا أنه مخطئ، فهذه الآية هي مدح لله عزوجل، وليس فيها أي شيء لا يجوز نسبته
_________
١ البخاري "٣٠٣٠"، مسلم "١٧٤٠"
1 / 20
إلى الله ﵎.
سؤال٦: عن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ومن هم الصابئون؟ ... سؤال٦: كيف نوفق بين هاتين الآيتين ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾] ال عمران:٨٥ [، وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾] المائدة:٦٩ [؟ الجواب: لا تعارض بين الآيتين كما يوهم السؤال، وذلك لأن آية الإسلام هي بعد أن تَبلُغً دعوةُ الإسلامِ أولئك الأقوام الذين وصفهم الله عزوجل في الآية الثانية ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وذكر منهم الصابئة، والصابئة حينما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم: عُباد الكواكب لكنهم – في الحقيقة - كل قوم وقعوا في الشرك بعد أن كانوا من أهل التوحيد فالصابئة كانوا موحدين، ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب، فالذين ذُكروا في هذه الآية هم المؤمنون منهم الموحدون، فهؤلاء قبل مجيء دعوة الإسلام هم كاليهود والنصارى، وهم ذُكروا أيضًا في نفس السياق الذي ذُكر فيه
سؤال٦: عن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ ومن هم الصابئون؟ ... سؤال٦: كيف نوفق بين هاتين الآيتين ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾] ال عمران:٨٥ [، وقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾] المائدة:٦٩ [؟ الجواب: لا تعارض بين الآيتين كما يوهم السؤال، وذلك لأن آية الإسلام هي بعد أن تَبلُغً دعوةُ الإسلامِ أولئك الأقوام الذين وصفهم الله عزوجل في الآية الثانية ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وذكر منهم الصابئة، والصابئة حينما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم: عُباد الكواكب لكنهم – في الحقيقة - كل قوم وقعوا في الشرك بعد أن كانوا من أهل التوحيد فالصابئة كانوا موحدين، ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب، فالذين ذُكروا في هذه الآية هم المؤمنون منهم الموحدون، فهؤلاء قبل مجيء دعوة الإسلام هم كاليهود والنصارى، وهم ذُكروا أيضًا في نفس السياق الذي ذُكر فيه
1 / 21
الصابئة فهؤلاء مَنْ كان منهم متمسكًا بدينه في زمانه، فهو من المؤمنين ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .
ولكن بعد أن بعث الله عزوجل محمدًا ﵊ بدين الإسلام، وبلغت دعوة هذا الإسلام أولئك الناس من يهود ونصارى وصابئة، فلا يقبل منه إلا الإسلام.
إذًا قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾ أي: بعد مجيء الإسلام على لسان الرسول ﵊، وبلوغ دعوة الإسلام إليه، فلا يُقبل منه إلا الإسلام.
وأما الذين كانوا قبل بعثة الرسول ﵊ بالإسلام، أو الذين قد يوجدون اليوم على وجه الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام أو بَلَغَتْهُمْ دعوةُ الإسلام ولكنْ بلغتهم محرفةً عن أساسها وحقيقتها، كما ذكرتُ في بعض المناسبات عن القاديانيين – مثلًا - الذين انتشروا في أوربا وأمريكا يدعون إلى الإسلام لكن هذا الإسلام الذين يدعون إليه ليس من الإسلام في شيء، لأنهم يقولون بمجيء أنبياء بعد خاتم الأنبياء محمد ﵊، فهؤلاء الأقوام – من الأوربيين والأمريكيين الذين دعوا إلى الإسلام القادياني، ولم
1 / 22