وَلَا يجوز لَهُم ذَلِك فَإِن الْوَاجِب أَولا إِثْبَات الذَّات ثمَّ تَرْتِيب الصِّفَات وَالْأَصْل إِنَّمَا هُوَ عين الحَدِيث ثمَّ ترتيبه وتحسين وَضعه فَفَعَلُوا مَا هُوَ الْغَرَض الْمُتَعَيّن واخترمتهم المنايا قبل الْفَرَاغ والتخلي لما فعله التابعون لَهُم والمقتدون بهم فتعبوا الرَّاحَة من بعدهمْ
ثمَّ جَاءَ الْخلف الصَّالح فأحبوا أَن يظهروا تِلْكَ الْفَضِيلَة ويشيعوا تِلْكَ الْعُلُوم الَّتِي أفنوا أعمارهم فِي جمعهَا إِمَّا بإبداع تَرْتِيب أَو بِزِيَادَة تَهْذِيب أَو اخْتِصَار أَو تقريب أَو استنباط حكم أَو شرح غَرِيب فَمن هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرين من جمع بَين كتب الْأَوَّلين بِنَوْع التَّصَرُّف والاختصار كمن جمع بَين كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم مثل أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد الرماني وَأبي مَسْعُود إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبيد الدمقشي وَأبي عبد الله مُحَمَّد الْحميدِي فَإِنَّهُم رتبوا على المسانيد دون الْأَبْوَاب كَمَا سبق وتلاهم أَبُو الْحسن رزين بن مُعَاوِيَة الْعَبْدي فَجمع بَين كتب البُخَارِيّ وَمُسلم والموطأ لمَالِك وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ ورتب على الْأَبْوَاب إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ أودعوا متون الحَدِيث عَارِية من الشَّرْح وَكَانَ كتاب رزين أكبرها وأعمها حَيْثُ حوى هَذِه الْكتب السِّتَّة الَّتِي هِيَ أم كتب الحَدِيث وأشهرها وبأحاديثها أَخذ الْعلمَاء وَاسْتدلَّ الْفُقَهَاء وأثبتوا الْأَحْكَام ومصنفوها أشهر عُلَمَاء الحَدِيث وَأَكْثَرهم حفظا وإليهم الْمُنْتَهى
وتلاه الإِمَام أَبُو السعادات مبارك بن مُحَمَّد بن الْأَثِير الْجَزرِي فَجمع بَين كتابي رزين وَبَين الْأُصُول السِّتَّة بتهذيبه وترتيب أبوابه وتسهيل مطلبه وَشرح غَرِيبه فِي جَامع الْأُصُول فَكَانَ أجمع ماجمع فِيهِ
ثمَّ جَاءَ الْحَافِظ جلال الدّين السُّيُوطِيّ فَجمع بَين الْكتب السِّتَّة وَالْمَسَانِيد الْعشْرَة وَغَيرهَا فِي جمع الْجَوَامِع فَكَانَ أعظم بِكَثِير من جَامع الْأُصُول من جِهَة الْمُتُون إِلَّا أَنه لم يبال بِمَا صنع فِيهِ من جمع الْأَحَادِيث الضعيفة بل الْمَوْضُوعَة وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخّرُونَ أَنهم حذفوا الْأَسَانِيد اكْتِفَاء بِذكر من روى الحَدِيث من الصَّحَابِيّ إِن كَانَ خَبرا وبذكر من يرويهِ عَن الصَّحَابِيّ إِن كَانَ أثرا وَالرَّمْز
1 / 64