حزن الإغريق على مقتل أخيليوس كما لم يحزنوا من قبل قط، وشرعوا يعدون العدة لتكريمه، فتعاون الجيش كله في نصب كومة حطب جنائزية ضخمة، وجاءت ثيتيس نفسها إلى المعسكر؛ لتندب ولدها، الذي لقي حتفه، وهو في ميعة الصبا وريعان الشباب. لقد كانت تعلم أن هذا هو قدره المحتوم، ومع ذلك بكته بكاء حارا، وكانت معها بريسايس تذرف الدموع، وتبكي في نحيب متصل.
ووضع المورميدونيون جثة أخيليوس العظيم فوق كومة الحطب الجنائزية، وأشعلوا النيران، وراحوا يطعمونها كل غال لديهم ونفيس، إعلانا عما يعتلج في صدورهم من حب وتعظيم لمليكهم. وبعد أن خمدت النار، جمعوا رماد جثته، وأودعوه الثرى عند شاطئ النهر.
الفصل العاشر
حصان طروادة
أصبح أوديسيوس ضائق الصدر؛ فخرج هائما على وجهه، يتجول على شاطئ البحر، عل نسيم الصباح الباكر يفرج من أساه. ولكن الأفكار القاتمة ظلت تتقاذفه كالأمواج المتلاطمة: «إلى متى نظل في هذا الموقف الأليم؟ ماذا تكون نهايته؟ كيف تكون؟ لقد وضعتنا الآلهة في مأزق خطير، أما من سبيل لانتشالنا من هذه الوهدة؟»
وبينما تنتابه هذه الأفكار القاتمة ، إذا برجل يطلع عليه، تبدو عليه آثار السفر والغربة، وتلوح على وجهه مخايل النبل والذكاء، وتوحي نظرات عينيه بالحكمة والدهاء.
قال له الرجل الغريب، دون أن يعرفه أو يتعرف به: «يا ولدي، إن هناك نبوءة قديمة تقول: إن طروادة لن تقتحم أسوارها، ما دام تمثال الربة أثينة يربض هناك في معبدها!»
فلما جن الظلام، كانت هناك فكرة قد نمت في ذهن أوديسيوس، هي أن يحاول سرقة تمثال أثينة، على الرغم مما يحف بهذه المحاولة من خطر؛ إذ كان المعبد الذي يقيم فيه التمثال في قلب طروادة. وتزيا أوديسيوس بزي شحاذ، وأخفى تحت أسماله سيفا بتارا، واصطحب معه ديوميديس، واتجها صوب طروادة.
وبلغا المدينة، فاختبأ ديوميديس في مكان أمين، وصعد أوديسيوس إلى أبواب المدينة يستجدي الطعام والنقود. وكان متقنا لدور الشحاذ، في حركته ولهجته، حتى إن الحارس لم يجد أدنى ريبة فيه، فسمح له بالدخول ليلتقط رزقه مما في أيدي الناس.
ولم يجد أوديسيوس مشقة في اختراق طرقات طروادة؛ فقد كان يألف مداخلها ومخارجها. وسرعان ما بلغ المعبد، وهو يسأل المارة أن يعطوه مما أفاءته الآلهة عليهم من خيرات. ولم يخطئ أي خطأ يفضح سلوكه، ولم يكتشف أحد أمره من الطرواديين، غير أن المفاجأة كانت تترصده قرب المعبد. فقد فوجئ بهيليني تغادره إلى بيتها بعد أن صلت للربة أثينة، ولم يكن أوديسيوس بالذي تخفى ملامحه عليها، مهما أمعن في التنكر، وأغرق في التخفي.
Unknown page