وما إن أتم قوله حتى احتز بسيفه عنقي الكبشين، وأقبل الجنود - الذين كانوا يصغون إليه - يصلون في ضراعة للإله زيوس.
أما برياموس فقد عاد إلى عربته، وقفل عائدا إلى طروادة، فما يستطيع أن يشهد ولده الحبيب باريس وهو يلتقي في عراك مميت مع مينيلاوس الشديد البأس، الممتلئ غيظا على غريمه.
وقاس هكتور وأوديسيوس الأرض؛ ليحددا المساحة اللازمة ميدانا للمبارزة، وليقف الجنود خلفها ترقبا لما تنتهي المعركة إليه بين الرجلين. في حين تجهز كل من مينيلاوس وباريس بسلاحهما، وأعدا عدتهما للنزال، الذي قد ينهي الحرب.
وبدأت المعركة بين الرجلين بضربة رمح من باريس، لكنها لم تصنع شيئا في مينيلاوس؛ إذ تحطم الرمح فوق درعه، والتوى طرفه. وهز مينيلاوس رمحه كما لم يهزه من قبل، وعاجل باريس بطعنة رمح عاتية، اخترقت درعه، وجرحته جرحا طفيفا. وحينئذ استل مينيلاوس سيفه، ووجه ضربة قاسية لغريمه، ولكن السيف تحطم فوق خوذته، فاستشاط مينيلاوس غضبا، وثارت نفسه ثورة عارمة، وأطبق على باريس بيديه، وقبض على ريشة خوذته المصنوعة من شعر الخيل، ولفها حول عنقه، وأخذ يجره جرا عنيفا، ويسحبه سحبا قويا نحو معسكر الإغريق. وكاد سير الخوذة يخنقه، ونظر الأمراء والجنود بعضهم إلى بعض، وفي قلوبهم نشوة مكتومة من الفرح؛ فقد آذنت الحرب بالانتهاء، وأصبح النصر على مرمى رمح من مينيلاوس.
لكن ربة الجمال والحب - أفروديتي - عز عليها أن يهزم باريس، فقطعت سير الخوذة قبل أن يختنق بها، وتشكلت في صورة سحابة حملته بعيدا إلى طروادة، حيث كان يلعق جراحه وهو بين ذراعي أفروديتي، ويعزي نفسه بتدخلها في المعركة، وإنقاذها له من الموت المحقق. وما ذلك إلا لأنه أثير لديها، وما كانت لتفرط فيه، وتنسى أنه فضلها ذات يوم على الربات الأخريات، ومنحها التفاحة الذهبية.
أما مينيلاوس فقد اندفع ثائرا هائجا، يبحث بين الطرواديين عن غريمه، لكنه لم يعثر له على أثر، ويصرخ فيهم أن يدلوه عليه. وما كانوا يستطيعون ذلك؛ إذ هو لا وجود له بينهم، ولو رأوه أو عرفوا مكانه لأسلموه. فما أحد منهم يرغب في إخفائه، والحيلولة بينه وبين مصيره، فكلهم ضائق به، لما جلبه عليهم من شرور وويلات.
وتكلم أغاممنون مخاطبا الطرواديين: «إن مينيلاوس هو الذي فاز على خصمه، فهيا كونوا أوفياء لما قطعتم على أنفسكم من عهد، وما أعطيتم من مواثيق. هيا ردوا علينا هيليني وكنوزنا المنهوبة؛ لتكفوا أنفسكم مئونة القتال.»
ورحب الإغريق بكلماته، والتفوا حوله مناصرين مؤيدين.
الفصل الخامس
نقض الهدنة
Unknown page