ومن أبرز ما يسترعي انتباه الدارسين أن نتاج كورناي شبيه بحياته، يبدأ بفتوة لاهية ماجنة، تحب الدعابة والمرح، فيصل إلى شباب متنبه، بعيد الطموح، يتلمس طريقه إلى المجد، حتى إذا بلغ نضج الرجولة، اهتدى إلى التعبير الأفضل عن نبوغه، فأعطى زبدة ما في قلبه وعقله، ثم راح ينحدر، مع توالي الأعوام، نحو الأفول، من غير أن ينقطع عن العطاء، كأنه أراد أن يكون نتاجه قنطرة توازي تماما قنطرة حياته.
وهكذا رأيناه يضع مسرحيته الأولى: «ميليت» - كوميديا - وهو في الثالثة والعشرين من العمر. وخلال سبعة أعوام وضع سبع مسرحيات، منها خمس كوميديات: الأرملة، ورواق القصر، والتابعة، والساحة الملكية، والوهم الهزلي، وتراجيديا: ميديه، وتراجيكوميديا: كليتندر.
وفي الثلاثين من العمر أطلق أولى روائعه الخالدة: السيد، وأتبعها بهوراس وسنا، وبومبايوس، والكذاب، ثم راح ينحدر مع: تابع الكذاب، ورودوغون، وتيودور، وهيراكليوس، واندروميد، ودون سانش، ونيكوميد، وبرناريت، وأوديب، والجزة الذهبية، وسرتوريوس، وصفونسب، وأوتون، واجيزيلاس، واتيلا، وتيت وبيرينيس، وبسيكيه، وبولشيري، حتى انتهى إلى سورينا ... وكانت هذه مؤسفة حقا، فانقطع عن التأليف المسرحي نهائيا، وانصرف إلى التأمل، ففاضت شاعريته ورعا وتقوى في: الاقتداء بيسوع المسيح، وأناشيد فرض الكهنة، ومدائح العذراء.
كورناي الرائد
يعتبر كورناي، على الرغم من هنات الفتوة والشيخوخة، رائد المسرح الكلاسيكي الفرنسي، وفجر العصر الذهبي المعروف باسم الملك «لويس الرابع عشر». وهذا ما أعلنه نده ومنافسه جان راسين يوم استقبله في الأكاديمية الفرنسية، إذ قال:
في أية حال كان المسرح الفرنسي حين بدأ كورناي يعمل! في أية فوضى! وأي انحراف عن القواعد!
كان مسرحنا خاليا من الذوق، خاليا من معرفة الجمالات المسرحية الحقيقية، فالمؤلفون كانوا أشد جهلا من المشاهدين، وكانت الموضوعات المطروحة، في أغلبيتها، مبالغات بعيدة عن المنطق والمعقول، لا أخلاق فيها، ولا خصائص مدروسة.. وكان الأداء أوفر فسادا من التمثيل، وكل ما كانت تتحلى به المسرحيات، معنى ومبنى: نكت لاذعة، وتلاعب بالألفاظ.
وبكلمة مختصرة، كانت قواعد الفن، والشرف، واللياقة كلها مرذولة ومنقوضة!
وهذه شهادة جديرة بالتدوين والحفظ.
عوامل وضع سنا
Unknown page