164

Hikmat Gharb

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Genres

Huygens . وفي عام 1673م توجه إلى لندن حيث قابل الكيميائي بويل

R. Bolyle ، وأولدنبرج

Oldenburg ، أمين الجمعية الملكية التي كانت قد أنشئت حديثا والتي انضم ليبنتس إلى عضويتها. وبعد موت كبير الأساقفة الذي كان ليبنتس يعمل لديه، في العام نفسه، عرض عليه دوق برنسفيك

Brunswick

منصب أمين مكتبة هانوفر، ولكن ليبنتس لم يقبل هذا العرض على الفور، بل ظل في الخارج. وفي عام 1675م بدأ يشتغل، أثناء وجوده في باريس، في حساب التفاضل والتكامل، واكتشف هذا الفرع على نحو مستقل عن نيوتن الذي كان قد اكتشفه قبله بوقت قصير، وبعد فترة نشر ليبنتس صيغة حساب التفاضل والتكامل كما اكتشفها، وكان ذلك في مجلة أعمال الباحثين العلميين

Acta Eroditorum

عام 1684م، وهذه الصيغة أقرب إلى الصورة الحديثة لهذا العلم من صيغة نظرية التفاضل عند نيوتن. وبعد ثلاث سنوات ظهر كتاب «مبادئ الفلسفة الطبيعية» لنيوتن. وقد أدى ذلك إلى ظهور خلاف طويل وعقيم، وبدلا من أن يعالج المشتركون في هذا الخلاف المسائل العلمية أخذ كل فريق منهم ينحاز إلى ابن وطنه، مما ترتب عليه تأخر الرياضيات الإنجليزية لمدة قرن، لأن طريقة التدوين التي وضعها ليبنتس، والتي أخذ بها الفرنسيون، كانت أداة أكثر مرونة للتحليل. وفي عام 1676م قام ليبنتس بزيارة اسبينوزا في لاهاي، ثم شغل منصب أمين مكتبة هانوفر، وظل في هذا المنصب حتى وفاته، وقد أمضى وقتا طويلا في جمع مادة كتاب في تاريخ برنسفيك، كما تابع دراساته العلمية والفلسفية. وفضلا عن ذلك فقد واصل عمله في وضع خطط لإعادة الحيوية إلى المسرح السياسي الأوروبي، وحاول أن يقدم علاجا للانقسام الديني الكبير، غير أن مشروعاته لم تلق إلا آذانا صماء . وعندما أصبح الأمير جورج، من هانوفر، ملكا على بريطانيا في عام 1714م، لم توجه الدعوة إلى ليبنتس ليكون ضمن الحاشية المرافقة له إلى لندن، وكان السبب الرئيسي لذلك هو أصداء ذلك الخلاف المؤسف حول حساب التفاضل والتكامل. وهكذا ظل وراء الأضواء، شاعرا بالمرارة وبأن الناس قد تجاهلوه، ومات بعد ذلك بعامين.

أما فلسفة ليبنتس فليس من السهل مناقشتها، وذلك لأسباب منها أن أعماله غير مكتملة، وكثيرا ما كانت تفتقر إلى الصقل الذي كان يمكن أن يتحقق لو عني بمراجعتها واكتشف جوانب عدم الاتساق فيها قبل فوات الأوان. على أن السبب الرئيسي لذلك هو الظروف الخارجية لحياة ليبنتس؛ فقد كان يكتب الفلسفة في لحظات الفراغ النادرة، وكانت كتاباته تتعرض للتأخير والانقطاع. غير أن هناك سببا آخر أهم، هو الذي يجعل قراءة ليبنتس عسيرة في بعض الأحيان. هذا السبب ناشئ عن الطبيعة المزدوجة لفلسفته، إذ نجد لديه من جهة ميتافيزيقا الجوهر، وهي التي أفضت إلى نظرية الذرات الروحية، ونجد من وجهة أخرى نظرية منطقية تسير، من نواح كثيرة، في خط مواز لتأملاته الميتافزيقية. وربما كان المنطق هو أهم الجانبين في نظرنا، غير أن ليبنتس ذاته كان يبدي، كما هو واضح، قدرا متساويا من الاهتمام بجانبي فلسفته. بل لقد بدا له مؤكدا أن المرء يستطيع الانتقال من أحد المجالين إلى الآخر بلا صعوبة. على أن هذا الرأي لم يعد يلقى قبولا اليوم، وذلك على الأقل بين الفلاسفة الإنجليز، على الرغم من أن الفكرة القائلة إن اللغة والمنطق مكتفيان بذاتهما هي نفسها رأي ميتافيزيقي له عيوبه الخاصة. أما عن ميتافيزيقا ليبنتس، فمن المهم أن نلاحظ أنها تدين للتطورات العلمية في ذلك العصر ببعض سماتها الهامة. وقد نشرت كتاباته الميتافيزيقية أثناء حياته، وهي تشمل نظرية الذرات الروحية التي ظلت شهرة ليبنتس، بوصفه فيلسوفا، ترتكز عليها قرابة قرنين. أما المؤلفات المنطقية فظلت غير منشورة، ولم تلق التقدير الذي تستحقه إلا في أوائل هذا القرن.

وكما ذكرنا من قبل، فإن نظريات ليبنتس المنطقية كانت تقدم إجابة لمشكلة الجوهر من خلال فكرة الذرات الروحية. وهو يشترك مع اسبينوزا في الرأي القائل إن الجواهر لا تتفاعل فيما بينها. ويؤدي هذا على التو إلى استنتاج استحالة وجود رابطة سببية بين أي ذرتين روحيتين، وهو ما يعبر عنه بقوله إن المونادات (الذرات الروحية) بلا نوافذ. ولكن كيف نوفق بين هذا وبين تلك الحقيقة التي يعترف بها كافة الأطراف، وهي أن مختلف أجزاء الكون تبدو مرتبطة بعلاقات سببية؟ هنا يأتي الرد سريعا من خلال نظرية «جولينكس» عن الساعتين. وكل ما علينا هو أن نجعل عدد هذه الساعات لا متناهيا، فنصل إلى نظرية الانسجام المقدر

، التي تقول إن كل مونادة تعكس الكون بأكمله، بمعنى أن الله قد دبر الأمر بحيث إن كل المونادات تسير على نحو مستقل في مساراتها الخاصة، في نظام هائل من المسارات المتوازية التي صممت ببراعة.

Unknown page