157

Hikmat Gharb

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Genres

ومن حسن حظه أن عمه كان إنسانا لديه شعور بالمسئولية، فأخذ على عاتقه تربية ابن أخيه الصغير، وخاصة لأنه لم يكن قد أنجب أطفالا، وفي سن الرابعة عشرة توجه هبز إلى أكسفورد حيث درس الآداب والفلسفات الكلاسيكية، وكان المنطق المدرسي وميتافيزيقا أرسطو جزءا من برنامج الدراسة، وقد شعر هبز بكراهية شديدة لهذين الموضوعين، ظلت ملازمة له طوال حياته. وفي عام 1608م أصبح معلما خاصا لوليم كافندش

W. Cavendish

ابن إيرل ديفونشير

Devonshire ، وبعد سنتين رافق تلميذه في الرحلة الكبرى عبر القارة الأوروبية، التي كانت شيئا تقليديا في ذلك الحين. وعندما ورث تلميذه اللقب، أصبح راعيا لهبز، وعن طريقه تعرف هبز إلى كثير من الشخصيات البارزة في عصره. وعندما مات راعيه في عام 1628م، توجه هبز إلى باريس لبعض الوقت، ثم عاد ليصبح معلما خاصا لابن تلميذه السابق. ومرة أخرى رحل مع الإيرل الشاب في عام 1634م لزيارة فرنسا وإيطاليا، وفي باريس قابل مرسين

Mersenne

وحلقة أصدقائه، وفي عام 1636م زار جاليليو في فلورنسة. وعاد إلى بلاده في عام 1637 وبدأ يكتب صياغة أولى لنظريته السياسية . غير أن آراءه عن السيادة لم تعجب أيا من الطرفين في الصراع الذي كان قد بدأ ينشب بين الملكيين والجمهوريين. ولما كان ميالا بطبيعته إلى الحذر فقد رحل إلى فرنسا حيث عاش من 1645م إلى 1651م.

وخلال سنواته هذه في باريس ارتبط مرة أخرى بحلقة مرسين وقابل ديكارت. ولما كان قد ارتبط بعلاقة ودية في البداية مع اللاجئين الملكيين الهاربين من إنجلترا، وضمنهم الأمير الذي سيصبح فيما بعد الملك تشارلز الثاني، فإنه أغضب الجميع عندما نشر كتاب «التنين

Leviathan » عام 1651م. ذلك لأن أصدقاءه الملكيين لم تعجبهم طريقته العلمية اللاشخصية في معالجة مشكلة الولاء، على حين أن رجال الكنيسة الفرنسية أخذوا عليه خصومته للكاثوليكية. لذلك استقر رأيه على الفرار مرة أخرى، ولكنه سار هذه المرة في الاتجاه المضاد وعاد إلى إنجلترا، حيث استسلم لكرومويل وانسحب من الحياة السياسية. وفي هذه المرحلة من حياة هبز دخل في معركة فكرية عنيفة كان خصمه فيها هو «ووليس

Wallis » من أكسفورد. ولما كان إعجاب هبز بالرياضيات يفوق قدراته في هذا العلم، فإن خصمه الذي كان أستاذا، انتصر بسهولة في الجدل الناشب بينهما. وقد استمرت خلافات هبز مع علماء الرياضة حتى نهاية حياته.

وبعد عودة الملكية استعاد هبز الحظوة لدى الملك، بل إنه حصل على معاش مقداره مائة جنيه في السنة، وهي هبة كانت كريمة وإن كان دفعها له قد ظل أمرا غير مضمون. ولكن عندما تفشت الخرافات بين الشعب على إثر وباء الطاعون الذي فتك بالناس وحريق لندن الكبير، أجرى البرلمان تحقيقا حول موضوع الإلحاد، فأصبح كتاب التنين، لهبز هدفا خاصا للنقد الجارح. ومنذ ذلك الحين لم يستطع هبز أن ينشر شيئا عن أية مسألة اجتماعية أو سياسية شائكة إلا في الخارج، حيث كان يحظى في أخريات سني حياته الطويلة بسمعة تفوق سمعته في بلاده.

Unknown page