150

Hikmat Gharb

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Genres

Jean Calvin (1509-1564م)، وهو فرنسي استقر به المقام في جنيف، وتحول إلى الحركة الإصلاحية وهو في أوائل العشرينيات من عمره، ثم أصبح منذ ذلك الحين الرائد الروحي للبروتستانتية في فرنسا والأراضي الواطئة. والكلفينية مذهب ذو نزعة أوغسطينية، ومن ثم فهي أشد صرامة وتصلبا من اللوثرية التبشيرية. وتتغلغل فيها بقوة المثل العليا التطهيرية (البيوريتانية)، كما تذهب إلى أن الخلاص مسألة مقدرة مقدما. ولقد كانت تلك إحدى السمات الأقل جاذبية للاهوت المسيحي، وقد أحسنت الكنيسة الرومانية صنعا بتبرؤها من هذه الفكرة. غير أن الفكرة لا تؤدي عمليا إلى تلك الأضرار التي ربما بدت لها لأول وهلة، ما دام لدى كل شخص الحرية في أن يعتبر نفسه واحدا من المصطفين المختارين.

ولقد شهدت فرنسا في النصف الثاني من القرن السادس عشر حروبا دينية مزقتها بين الهوجنوت

Huguenots

الإصلاحيين وبين الكاثوليك. وكما كانت الحال في ألمانيا، فإن أسباب هذه القلاقل لم تكن دينية خالصة، بل كانت اقتصادية جزئيا. ونستطيع أن نقول بعبارة أدق إن العوامل الدينية والاقتصادية كانت سويا من أعراض التغييرات العامة التي تميزت بها مرحلة الانتقال من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. ذلك لأن العقيدة الإصلاحية وسماتها التطهيرية (البيوريتانية) تسير جنبا إلى جنب مع ظهور التجارة الحديثة. ولقد هدأت النزاعات الدينية في فرنسا لبعض الوقت نتيجة لمرسوم التسامح الذي أعلن في نانت

Nantes

عام 1598م، ولكن عندما ألغي المرسوم في عام 1685م، هاجرت أعداد كبيرة من الهوجنوت من موطنها الأصلي واستقرت في إنجلترا وألمانيا.

ونظرا إلى أن البروتستانتية لم تكن عقيدة عالمية، فقد كانت تحتاج إلى حماية السياسيين من رؤساء الدول ، الذين كانوا يميلون إلى أن يصبحوا رؤساء لكنائسهم القومية أيضا. وكانت تلك نعمة في ثوب نقمة؛ إذ إن رجال الكنيسة البروتستانت، الذين كانوا يفتقرون إلى سلطة نظرائهم الرومان الكاثوليك، وإن لم يكونوا في كثير من الأحيان يقلون عنها تعصبا وتزمتا، لم تكن لديهم القدرة المطلقة على إلحاق قدر كبير من الأذى. وفي النهاية أدرك الناس أن المنازعات الدينية عقيمة وغير حاسمة، ما دام كل من الطرفين كان عاجزا عن القضاء على الآخر. ومن هذا الإدراك السلبي ظهر التسامح الديني الفعلي بمضي الوقت.

أما في داخل الكنيسة الرومانية ذاتها، فقد ظهرت حركة إصلاحية جديدة في أواسط القرن السادس عشر، تركزت على جماعة الجزويت، التي أسسها إجناثيوس من لويولا

Ignatius of Loyola (1491-1556م)، واعترف بها رسميا في عام 1540م، وقد نظمت هذه الجمعية الجزويتية على أسس عسكرية، تأثر فيها لويولا بعمله السابق كجندي. أما من حيث العقيدة فكان الجزويت يعارضون التعاليم الأوغسطينية التي أخذ بها البروتستانت، ويؤكدون حرية الإرادة قبل كل شيء. وكانت أنشطتهم العملية منصبة على العمل التبشيري، والتعليم، واستئصال شأفة البدع والهرطقات.

وعلى حين أن الحركة الإنسانية في الشمال قد أدت إلى قصور جديد للمسيحية، فإن المفكرين الإنسانيين الإيطاليين لم يكونوا يهتمون كثيرا بالدين. فقد كانت الكاثوليكية في إيطاليا عندئذ، كما هي الآن، جزءا من الحياة اليومية لا يتغلغل بعمق في ضمير الإنسان، وكان الدين، بمعنى ما، يقوم بدور أقل في حياتهم، وكان قطعا أقل قدرة على إثارة مشاعرهم. وفضلا عن ذلك فنظرا إلى أن روما كانت محور الهرم الديني، فإن الكاثوليكية الرومانية لم يكن من الممكن أن تجرح الكبرياء الوطني للإيطاليين. ويمكن القول إن الكاثوليكية كانت، بصورة حقيقية جدا، أثرا باقيا من آثار مبدأ عبادة الدولة كما كان موجودا في أيام الإمبراطورية القديمة. وما زالت سيطرة النفوذ الإيطالي في حكومة كنيسة روما قائمة إلى الآن.

Unknown page