Hikmat Gharb
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Genres
ولقد توصلت مصر القديمة وبابل إلى بعض المعارف التي اقتبسها الإغريق فيما بعد، ولكن لم تتمكن أي منهما من الوصول إلى علم أو فلسفة. على أنه لا جدوى من التساؤل في هذا السياق عما إذا كان ذلك راجعا إلى افتقار العبقرية لدى شعوب هذه المنطقة، أم إلى أوضاع اجتماعية؛ لأن العاملين معا كان لهما دورهما بلا شك، وإنما الذي يهمنا هو أن وظيفة الدين لم تكن تساعد على ممارسة المغامرة العقلية.
ففي مصر كان الدين معنيا إلى حد بعيد بالحياة بعد الموت؛ فالأهرامات كانت صروحا جنائزية، ولقد كان الإلمام ببعض المعارف الفلكية لازما من أجل الوصول إلى تنبؤ دقيق بفيضان النيل، كما أن طبقة الكهنة في ممارستها للحكم الإداري استحدثت شكلا من أشكال الكتابة بالصور، ولكن لم تتبق بعد ذلك موارد تكفي للتطور في الاتجاهات الأخرى.
أما في بلاد ما بين النهرين، فقد حلت الإمبراطوريات السامية الكبرى محل السومريين الأسبق منها، الذين اقتبس أولئك عنهم الكتابة المسمارية. وفي الناحية الدينية كان الاهتمام الرئيسي منصبا على السعادة في هذا العالم، وكان تسجيل حركات النجوم وما صاحبه من ممارسات للسحر والتنجيم موجها من أجل هذه الغاية.
وبعد فترة ما، بدأت تنمو مجتمعات تجارية، كان أهمها سكان جزيرة كريت، وهي مجتمعات لم يتم إلقاء الضوء عليها من جديد إلا في وقت قريب. والأرجح أن الكريتيين جاءوا من الأراضي الساحلية لآسيا الصغرى، وأصبحت لهم الغلبة بسرعة على جميع جزر بحر إيجه، وفي أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد أدت موجة جديدة من المهاجرين إلى نمو غير عادي للثقافة الكريتية. فشيدت قصور فخمة في كنوسوس
Cnossus
وفايستوس
، وأخذت السفن الكريتية تجوب البحر المتوسط من أقصاه إلى أقصاه.
ومنذ عام 1750ق.م. أدت سلسلة متكررة من الزلازل والثورات البركانية إلى إطلاق موجة هجرة من كريت إلى المناطق المجاورة في اليونان وآسيا الصغرى. وأدت مهارة الكريتيين في الحرف اليدوية إلى تغيير ثقافة سكان المناطق القارية. وأفضل موقع يكشف عن هذا التأثير في اليونان هو ميسناي
Mycenae
في الأرجوليد
Unknown page