هذا قليل من أدب الفرس جئنا به مقدمة لحديقة الورد لسعدي؛ ليعرف القارئ العربي مكان السعدي من فضلاء وطنه.
سعدي الشيرازي
هو الشيخ مصلح الدين سعدي الشيرازي، شاعر إيراني ولد في شيراز سنة 1175 للميلاد، الموافقة سنة 571 هجرية، وقيل: بل سنة 1189، قيل: لقب بالسعدي نسبة إلى أتابك سعد بن زنكي، وكان في أيامه.
درس في بغداد، فأخذ العلوم الظاهرة عن الشيخ شهاب الدين، وأخذ العلوم الباطنة عن الشيخ عبد القادر الكيلاني، فامتاز بين أقرانه بالذكاء والاجتهاد، فنبغ في التفسير والحديث وسائر العلوم، وكان ورعا تقيا، دخل في سلك الدراويش القندريين، وكانوا يكثرون الحج إلى مكة المكرمة ويسيرون مع القوافل، ويرددون التسابيح أمام رفاقهم ويحرضونهم على الصلاة والتقوى، فحج السعدي على تلك الصفة 14 مرة، وكان لم يكتب بعد شيئا، بل كان منعكفا على الصلاة والتأملات.
ثم تجند في محاربة الصليبيين في سوريا، فلم يصب نجاحا، بل أسر لأول موقعة واقتيد إلى طرابلس الشام، فأدخلوه بين العملة في بناء الحصون، فدام أسره عدة سنوات إلى أن اتصل به تاجر حلبي فأذهله علمه وورعه في الدين، فافتداه من الأسر بعشرة دنانير ذهبا، وأعطاه مائة دينار وزوجه ابنته، فلم ير حظا في زيجته؛ لأن زوجته سببت له من الأكدار أعظمها، حتى إنه طعن فيها فيما بعد في أحد مؤلفاته، واضطر بشراسة أخلاقها وسوء تصرفاتها أن يطلقها، فاعتزل الأمور الحربية، وانصرف إلى نظم الشعر والقيام بالفروض الدينية، ونظم عدة قصائد وقدود ونشائد وسماها ملمعات، ومنظومة سماها البستان.
وكتب مؤلفا سماه الجولستان؛ أي روضة الورد، وهو مشهور في الشرق والغرب، بعضه منثور، وبعضه منظوم، ويحتوي على حكايات حربية، وقصص ملوك، وغزل ديني، وأمثال أدبية وسياسية. وهو في ثمانية فصول، في أولها كلام عن الملوك، والثاني في الدراويش، والثالث عن الزهد والقناعة، والرابع عن فوائد الصمت، والخامس عن الشبوبية، والسادس عن الشيخوخة، والسابع عن التعليم والتهذيب، وفي الثامن جمل متفرقة حاوية ملخص التأليف كله، ومع أن الكتاب المذكور أقل تآليف السعدي أهمية، فقد انتشر أكثر منها؛ فترجمه إدلياريوس إلى الألمانية، وطبع في شلسويك سنة 1654، وترجمه غراف إليها أيضا، وطبع في ليبسيك سنة 1846، وترجمه غودن إلى الفرنسية وطبع في باريس سنة 1791، وترجمه سميلي وطبع سنة 1828، وشارل دي فريميري وطبع سنة 1858، وترجمه جنتيوس إلى اللاتينية وطبع مع ترجمته إلى الإنكليزية بقلم جمس دومولين في كلكتا سنة 1807، وطبعه السيتول في هرتفرد سنة 1850 مع معجم لكلماته، وترجمه إلى الإنكليزية نظما ونثرا سنة 1852، وقد ترجم إلى التركية وطبع في الأستانة مع الأصل الفارسي، وترجم إلى العربية
1
وطبع في مصر، وله ترجمة أخرى غير مطبوعة.
وأغرب ما في هذا الكتاب بلاغة إنشائه، وقد ذهب أكثرها في الترجمات المذكورة، وطالعه فلوريان وسان لمبر في الترجمة اللاتينية، ونقلوا عنه عدة استعارات أدخلوها في بعض القصص التي كتبوها.
وله أيضا مؤلف اسمه بندنامة؛ أي كتاب الأمثال، وكل كتاباته كانت بالفارسية والعربية، وطبعها هرنغتون في كلكتا سنة 1791 في مجلدين، والأسقف غودن في أواخر القرن الثامن عشر نشر تقليدا للجولستان، إلا أنه لم يشابهه في شيء من الطلاوة، وترجم البستان إلى الألمانية، وطبع في همبرغ سنة 1696، وإلى الفرنسية ولم يطبع بعد، وترجمت البندنامة إلى الإنكليزية وطبعت سنة 1788، وترجمت إلى الفرنسية سنة 1822.
Unknown page