وكما أوضحنا فطالما أن السامية والساميين تعبير لغوي يشتمل فيما يشتمل على لغات روافد الحضارات المبكرة للبابليين والكلدانيين والآشوريين والفينيقيين والعبريين والعرب وغيرهم، وطالما أن اللغة هي حاملة التراث والحضارة، فمن هنا يمكن القول بأن التراث السامي هو المصدر الأم الذي ارتقت روافده في المحصلة العربية والعبرية ثم الإسلامية الأخيرة.
ولا بأس هنا من إعادة ذكر ما سبق
1
ذكره في إطار المعاناة، بحثا في إطار المفهومات حول سمات وانتماءات تراثنا العربي على الرقعة الكونية؛ ومن ثم انتماء الكم الأعظم من تراثنا هذا السامي - العربي والعبري - إلى سابق له لا سامي للسومريين الذين استولوا على معظم أراضي الرافدين منذ الألف الرابع قبل الميلاد، وأقاموا حضارة توارثتها بكاملها الطلائع السامية للبابليين العراقيين.
فيلاحظ أنه في حالة الإحجام عن الاستطراد والغوص في الأصول المبكرة لتراث حكاياتنا العربية وبقية أفرع وأنشطة مأثوراتها المختلفة، والتي تعيش على شفاه شعوبنا العربية إلى أيامنا، تعلق بالأفرع والأثمار دون جذور ومنابت، بل ومنابع هذه الحكايات التي لا بد وأنها ولدت يوما مثلها مثل الكائن الحي؛ لذا يصبح مفيدا تعرف تلك الجذور الضاربة، التي منها تساقت وأينعت تركتنا من الحكايات العربية التي ينظر إليها على المستوى الكوني كخزان معدود مرموق بالنسبة لتراث العالم أجمع؛ ومن هنا يفضل التتابع الزمني التاريخي المصاحب للمكان الجغرافي، للبحث في مخزون حكاياتنا العربية السامية المتوارثة بدورها من أصول آسيوية لا سامية.
ولقد جاءت الكشوف الحفرية الأركيولوجية السومرية اللاسامية في العراق، فأوضحت الكثير من الغموض بالنسبة للتراث السامي بشكل عام، والتراث العربي والعبري بشكل أخص، فلقد أوضحت هذه الكشوف السومرية - الألف الرابعة قبل الميلاد - عن حقيقة «أصل التوراة ذاتها ومنشئها، وأن هذه المجموعة من المآثر العظيمة لم تجئ إلى الوجود كالأزهار الصناعية وهي كاملة النمو»، بمعنى أنها تنتشر انتشارا واسع المدى في تراث الأقوام المجاورة والمتاخمة لها من كنعانيين وأصحاب الأرض الفلسطينيين، وسوريين وبابليين، بالإضافة إلى مصر الفرعونية.
وليس بغريب أن تراث العبريين هو - على وجه التقريب - تراث وحضارة أولئك السومريين اللاساميين، وصل اليهود عن طريق الوساطة الكنعانية مثلهم في هذا مثل بقية الأقوام والجماعات السامية، وذلك عقب انتقال ذلك التراث السومري إلى الورثة المباشرين، وهم: الكلدانيون والبابليون والآشوريون والحيثيون والكنعانيون والفلسطينيون، وحتى الحيثيين الأناضوليين.
وعن الكنعانيين الشوام الذين سبقوا العبريين في استيطان فلسطين خاصة بعض مدن الساحل الفينيقي،
2
سرى إلى الوجود تراث تلك الحضارة اللاسامية المندثرة مثلما توارث العرب - خاصة القحطانيين سكان اليمن والجنوب العربي - حضارة لاحقيهم من القبائل العربية البائدة المندثرة التي ترجع إلى ما قبل الألف الثالثة قبل الميلاد، وهم قبائل: عاد وثمود وطسم وجديس والعماليق وجرهم وعرفات وغيرهم.
Unknown page