أو ملحمة أو قصة شعرية بما تبقى فيها من نظم، بل على أنها حكاية أو خرافة جان، أسمح لنفسي بأن أصفها نموذجية، بل هي ربما كانت واحدة من أوسع وأقدم حكايات الجان انتشارا في فولكلور العالم أجمع.
فهي تخضع وتتطابق مع مواصفات حكايات وخوارق الجان التي شغلت العديد من المدارس الفولكلورية والأنثروبولوجية زمنا طويلا، منذ أن توصل جامعا الفولكلور الألمانيان الأخوان جريم من جمع ودراسة مجموعة كبيرة منها أطلق عليها يعقوب جريم حكمه المتعجل، القائل بأن حكايات الجان إنتاج آري كامل.
بمعنى أن كل ما يتواتر على الشفاه - على مستوى العالم أجمع - من حكايات وخرافات وخوارق الجان والعفاريت والنداهات وأم الشعور والأعوان وسكان تحت الأرض والرياح، يرجع بكامله إلى موطنه ومنبته الأم: الهند وإيران.
فمنذ أن أطلق الإخوان جريم حكمهما في موسوعتهما الآجرومية الجرمانية عام 1842، حتى أثار حكمهما هذا عاصفة من الجدل ما تزال ممتدة، شارك فيها معاصرهما المستشرق عالم الآريات تيودور بنفي، بإعلانه نظريته الشهيرة عن ارتكاز التراث الآري الأوروبي قلبا وقالبا على التراث الآري الهندي الفارسي، وأخصه الأساطير والخرافات.
فمن هذا المدخل والمنطلق أسوق هذه الخارقة عن البطل الحمار سعد الدين، والتي لا شك في أنها بقايا أسطورة مصرية عربية أو فلسطينية أردنية من ألفها إلى يائها، تحكي عن خوارق ومزايا إله ما قبل التاريخ: الحمار المصري الفرعوني ست أو ستخ، الذي لقبه اليونان بطيفون، ولقبه العرب ببغل أو زوج أو سيد.
وأهمية هذه الخارقة، التي ما تزال تعيش على الشفاه إلى أيامنا هذه، تأتي من أن هذه الأسطورة التي ترجع أول منابتها إلى 4 آلاف عام قبل الميلاد - أي إنها ترجع إلى ما قبل فجر التاريخ المصري برمته أو عصر ما قبل الأسرات - ومن مصر هاجرت إلى تخومها المجاورة في فلسطين والأردن، إلى أن أصبحت من أهم ملامح الأساطير والفولكلور السامي بأكمله.
ومن هنا يمكن مناقضة نظريات مروجي الآرية التي اكتملت في النازية، القائلين بالأصل الآري لخوارق الجان.
فها هي خارقة ذات جذور مصرية منحدرة من رحم أسطورة، تتحول مع توالي العصور إلى خرافة جان، ما يزال بطلها ست يتوحد بالحمار، وتجيء به إلى الوجود المرأة العذراء التي لم يمسسها بشر.
فيجيء بطلها سعد الدين أو الحمار إلى الوجود، تصاحبه فكرة أسطورية، يصنف بموجزها على أنه طفل موعود.
وهذا لا ينفي طبعا أن في معظم الأحوال ما تحكي وتفيض أساطير الجان عن طفولة أبطالها وخوارقهم وتفوقهم.
Unknown page