وله عادة عرفت به وعرف بها، وهي أنه إذا التقى بإنسان فبعد أن يحييه ويسلم عليه، ويسأله عن صحة أفراد العائلة، ويقص له واقعة حال مع أحد المرحومين، يشبك ساعده بساعد الملتقي به، ويسير الاثنان على الطريق حتى يتحنن الله ويمر إنسان آخر فيودع الأول، ويمسك بالثاني بعد أن يقول للأول: «البقية تأتي. إن شاء الله في المشوار الثاني أكمل لك القصة.» ثم يبدأ بذات الدور مع الثاني، وهكذا يظل يودع هذا ويلاقي ذاك حتى ينتهي النهار.
إلا أن كثيرين من الذين درسوا أخلاق عزيز عرفوا مبلغ الصحة في أحاديثه، فصاروا يتراهنون على ما إذا كان يعرف شخصا ما أو لا يعرفه، فيقصدونه، وغالبا كان المراهنون يخسرون؛ لأن للرجل ولعا شديدا بمعرفة العيال والأسماء، ويكفي لذلك أن يذكر عن المسئول عنه لمحة صغيرة كان يقول هو فلان من البلد الفلاني من العائلة الفلانية، تعرفت بابن خال كنة عمته في عام كذا وكذا ... إلخ.
حدث يوما أن عزيزا كان في أحد المحال السورية في يوم عاصفة ثلجية أوقفت الأعمال، وكان عدد من أصحاب المحل وزبائنهم مجتمعين داخل المحل يستدفئون وفي جملتهم كان عزيز السيار، وصدف أن العمل الذي كانوا يعملونه قد انتهى، ولم يشأ أحدهم الخروج، وفيما هم كذلك إذ دفع الباب ولد وبيده أعداد جريدة فطرح أحدها إلى داخل المحل وقفل راجعا، فتناول أحد الشركاء العدد وأخذ يقلب بصفحاته، فصاح به عزيز: «هات لنا أخبار الجريدة لنتسلى بها، فلا عمل لنا سوى الانتظار حتى تهدأ العاصفة فنخرج.»
فناوله التاجر العدد، وقال له: «اقرأ لنا مقالة خليل لقمان في الصفحة الرابعة.»
وما لفظ هذا الاسم حتى اهتز كل من كان موجودا وصاح الجميع: «إي والله، أسمعونا ما يقول هذا الكاتب العظيم؛ فإن كلامه لسحر يدخل القلوب ويطوي منازل النفوس طيا.»
أما عزيز؛ فقد ابتسم لدى سماعه اسم الكاتب، وهز رأسه استخفافا برغبة الجمهور، ثم قال: «يحرق قلب خليل ما أكتبه! والله إني أتعجب كيف يستطيع هذا الشاب أن يكتب؛ فقد كنت معه البارحة طول النهار وبعض الليل، وكيف تمكن من كتابة هذه المقالة لعدد اليوم؟ لا أعلم!»
عندئذ سأله أحدهم: «أوأنت تعرف خليل لقمان؟ أوهو في هذه المدينة؟» - «أعرف خليل لقمان! أوهو في المدينة! وكيف لا أعرفه وهو من أعز أصدقائي، وقد جاء نهار أمس من بفلو خصيصا لنجتمع سوية؟! خليل لقمان وعزيز السيار اثنان في واحد.»
فسأله واحد من الحاضرين وقال: «بالله، صف لنا خليل لقمان؛ فإني دائما أتمنى وأتحسر على رؤية رسم له، وأعد الاجتماع به من أماني حياتي، فوالله إنه على لساني وفي قلبي كيفما توجهت.»
هنا أخذ عزيز سيار يصف للقوم خليل لقمان، فقال: «إنه شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين، وإن الذين يطالعون كتاباته يتوهمون أنه فوق الخمسين، ولكن حقيقة عمره خمسة وعشرون سنة، شاب مربوع القامة، أبيض اللون، جميل المحيا، عالي الجبين، أسود العينين، يستحي من خياله، مملوء عواطف يطالع الناظر إليه بوجهة تينك الرقة والإنسانية اللتين يقرؤهما في خلال سطوره، دمث الخلق، يشرب كلامه كالخمر، ولا ألطف ولا أجمل من شاب كهذا في العالم.»
قال هذه الأوصاف والسامعون يترنمون لذكر خليل لقمان لما له في قلوبهم من المنزلة السامية.
Unknown page