ويتنهد وتذوب نظرته حسرة وأحلاما. •••
وتضطرب جوانحه بعنف الكبت، فيطفر في صفحة وجهه الشحوب والشرود، وبمضي الأيام يتفجر الحرمان سخطا على الأهل والنفس والناس، ثم ينطبع البيت بطابع الشحناء ومرارة الملاحاة.
والنساء مجبرات على البقاء في البيت - إلا لضرورة - منعا للقيل والقال، تحبسهن التقاليد، يجمعهن الحرمان، يعذبهن الفراغ، يتسلين بالنقار.
أسرة في صراع دائم مع الحرمان والأهواء واليأس، ونضال خفي مع حارسها الذي لا يقل عنها يأسا وعذابا.
حتى الكلبة تضطرب في جنبات البيت مختنقة، ممنوعة من الانطلاق خوفا من القذارة، تلاعب الضيف بعنف، تنقض على ساقه تتمسح بها، يجن جنونها لدى سماع نباح يترامى. •••
ويتقدم العمر، صقر يغط في عزوبته، وهن يذبلن ويغصن في الماء، ويتسربل الجو بالقتامة. والشاب بقدر ما يثير من عطف، بقدر ما يستوجب من ازدراء، لا علة واضحة لذلك، ربما لأنه يصبح مثالا للإذعان، والانحناء حيال المصير المحتوم، ومرآة للاصطلاحات والأساليب النسوية المقتبسة من البيت.
ويوما أرى كلبته في الطريق وقد تدلت بطنها وانتفخت، فأرمقها بابتسام وإعجاب:
الكلبة وحدها وهبت حارتنا ذرية جديدة.
أما صقر فبات يمقت أسرته، ويقول عنها: أسرة لا تعرف الموت، كما لا تعرف الحياة!
الحكاية رقم «49»
Unknown page