Hikaya Wa Ma Fiha
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Genres
بدأت تجربتي مع ورش الكتابة برغبة عارمة في التعلم والاستزادة حول شغف حياتي؛ الكتابة. أردت أن أتعلم أيضا كيف يمكن عمل ورشة كتابة أدبية نتبادل فيها الخبرات حول الأسرار والأدوات والتقنيات، ونمارس فيها لعبة السرد بكل جدية، ومن هذه الرغبة بدأت أولى الورش عام 2009 في إحدى مكتبات وسط القاهرة، على مدار خمسة شهور تقريبا، ثم تواصلت الدفعات المختلفة وتوالت نجاحات خريجيها، ولا تزال تتواصل حتى الآن؛ تعلمت الكثير خلالها عن مهارات المدرب وكيفية إدارة ورش الكتابة، وبالطبع الكثير عن الكتابة السردية ذاتها.
كمتدرب، لي أكثر من تجربة مع ورش كتابة السرد والمسرح والسيناريو، لكن الأساس فيها جميعا كان هو الخروج بالكتابة من مناطق غيبية وغير ملموسة مثل الوحي والإلهام والموهبة بحكم المولد، إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلم.
استفدت من كل ورشة ومن كل مدرب تعاملت معه في جميع تلك الورش، لكن كان علي أن أطور أسلوبي الخاص فيما بعد وطريقة عملي، وأن أضع ما يشبه المنهج، الذي لم أخترعه بالطبع بقدر ما استقيته من مصادر مختلفة ثم صغته في صورة مبسطة، بطريقة تتيح لي أنا - قبل الآخرين - أن أستمتع وأستفيد وأتطور. •••
لا أستطيع أن أزعم أنني صاحب منهج في تعليم الكتابة السردية بالمرة، أو صاحب تجربة عريضة في الكتابة أستطيع أن أستنبط منها قواعد محددة يمكن فرضها على كل تجربة وكل مبدع؛ كل ما تفعله الورش الأدبية، وكل ما يحاول هذا الكتاب أن يقدمه، هو التشجيع على العمل والإنتاج في إطار منظم، بعيدا عن أهواء المبدع ونزق تجلياته وتقلباته، واستسلامه لأوهام الوحي وانتظار الإلهام.
الكتابة عمل، وككل عمل آخر، يحتاج إلى ممارسة وانتظام وتأمل وتطوير؛ من هنا تأتي أهمية الورش مبدئيا، ثم الرغبة في التطوير والتعلم والممارسة بعد ذلك. دوري المبدئي، في الورش وهنا أيضا، أن أكون همزة وصل بين المتدرب أو القارئ وبين خبرات وتجارب لم أخترعها بل استقيتها من مشارب مختلفة.
ومع ذلك، لا بد أن نعترف بأنه لا توجد ورشة - أو كتاب - يمكن أن تصنع كاتبا من نقطة الصفر، أقصى ما يمكن تحقيقه أن نمد له طرف الخيط، أن نبين له الاتجاهات الأساسية، أن نمنحه وصلة هادية، حتى لو استغنى عنها بعد وقت وآثر الإبحار في المجهول. لا شيء يصنع كاتبا إلا ممارسة فعل الكتابة ذاته؛ أي النزول إلى البحر، ومناوشة الموج، يوما بعد آخر، وسطرا بعد سطر. •••
على مدار عام 2014، وبدعوة كريمة من مؤسسة هنداوي، كنت أكتب أسبوعيا مقالا صغيرا حول هموم ومسائل الكتابة السردية، موجها بالأساس للمبتدئين، ولكن يمكن أن ينتفع بما فيه كل كاتب متحقق يجد في نفسه الميل لتطوير حرفته. فصول الكتاب التالية هي ثمرة هذا العام، الذي سعدت فيه بضرورة العمل تحت ضغوط زمنية منتظمة ومساحة كتابة محدودة، ورحت أجمع كل موادي النظرية وألعابي الكتابية، وأحشد مصادري وخبراتي لأنتج شيئا قد يكون نافعا، ولو لشخص واحد فقط يطمح للكتابة ولا يعرف من أين يبدأ، أو مشتت قليلا مما يسمعه هنا وهناك في المنتديات والصالونات الأدبية.
بدأت سلسلة المقالات - الفصول التالية - بمناوشة فعل الكتابة عموما؛ مصادر الإلهام وتفتيح الآفاق، وكيف نهزم طغيان الصفحة البيضاء ورهبتها، وكيف نجمع أفكارنا كمن يصطاد فراشات ملونة. ثم كان علي أن أركز على محاور أساسية في عملية الكتابة السردية، مثل: «الثيمة»، والحبكة، وتحويل المعاني المجردة إلى سرد درامي وأشياء ملموسة، وطبعا الشخصية والحوار والوصف. انتهى العام بأسرع مما أتخيل، دون أن أتعرض بعد لمسائل كثيرة ذات شأن في لعبة السرد، مثل وجهات النظر وأنواع الرواة أو المراجعة والتحرير. ما زلت أطمح لاستكمال الرحلة التي بدأتها هنا ذات يوم.
على الرغم من أن معظم فصول هذا الكتاب موجهة لكتاب القصص والروايات بشكل أساسي، فإن بعض مواده قد تكون مفيدة لمن يمارسون كتابة أنواع أدبية أخرى - خصوصا الفصول الأولى - أو من يكتبون في فنون الدراما المختلفة للمسرح والسينما والتليفزيون.
الجانب النظري من الكتاب هو الأساس بالطبع، لكن دون جانبه العملي لا يمكن لفائدته أن تتم، بقدر ما أمكن حاولت أن أرفق بكل موضوع تمرينا أو مجموعة من تمرينات الكتابة التي أحث قارئ هذا الكتاب على تنفيذها بشدة، فمن دون هذه الممارسة العملية قد تتبخر أفكار واقتراحات هذه الفصول دون أثر يذكر بعد فترة. •••
Unknown page