هكذا الفراغ راحة ونعمة وتعارف. - وعرفت نفسي بعد أن كانت حواسي مشدودة دائما إلى الخارج. - يا لها من مكاسب لا تقدر بمال. - رأيت أهل حارتنا، لم أكن أتصور أنهم بهذه الكثرة. - ما أعجب ذلك وأجمله!
فتفكر قليلا ثم قال: ومنهم أناس أثاروا قلقي. - لم، كفى الله الشر؟! - يتخذون في ركن من المقهى مجلسهم، عصابة من الشبان، يتبادلون المزاح بأصوات مزعجة، لا يرحمون كبيرا ولا صغيرا من مزاحهم، ويتهجمون على الأعراض بلا حياء. - هكذا الشبان في كل زمان ومكان. - ألا يزعجك ذلك يا هنية؟ - لا أحب لك أن تنزعج أنت! - ولا يتركون فتاة دون غمز، حتى السيدات المصونات، حتى خيل إلي أني أقيم في عالم من الدعارة والانحلال. - لا تستسلم للأوهام السخيفة!
قام كأنما ضاق بمجلسه. وقف وراء النافذة دقيقة. رجع إلى وسط الحجرة ووقف مستندا إلى الخوان. قال بحنق: خيل إلي مرة أن أحدهم رماني بنظرة لم أرتح لها!
نضب المرح من صفحة وجهها وتساءلت: أي نظرة؟ - نظرة ماكرة ذات معنى. - أي معنى؟ - استفزني غضب وهممت بالقتال! - يا لطف الله! - وتنغص علي صفوي فلم أسترده بعد ذلك.
قالت بقلق واضح: إنك تبالغ يا عبد الله. - الحق أني عانيت تجربة جديدة كل الجدة وهي الشك!
هتفت باستياء: الشك! - كمن صحا عقب نوم ثقيل على لسع عود ثقاب مشتعل.
قالت بامتعاض وغضب: أطلعني على أفكارك أكثر. - قلت إنه الشك وكفى.
فصاحت بغضب: لا أصدق أنني أتلقى منك إهانة صريحة! - إني أسألك المعونة. - غير ما بنفسك قبل أن يفسد كل شيء.
فقال دون اكتراث لتحذيرها: إنك تخرجين كل يوم للتسوق. - لست في حاجة إلى من يذكرني بحياتي اليومية.
فقال بخشونة: وتذهبين إلى الفرن لابتياع الخبز! - كما أذهب إلى البدال والقصاب والكواء.
Unknown page