وقد كان السلف الصالح ينهون عن تعظيمهم غاية النهي كمالك والثوري وأحمد. وكان أحمد يقول: من أنا حتى تجيئون إِلَى؟ اذهبوا اكتبوا الحديث، وكان يقول: إذا سئل عن شيء، يقول: سلوا العُلَمَاء. وإذا سئل عن شيء من الورع يقول: أنا لا يحل لي أن أتكلم في الورع، لو كان بشر حيًّا تكلم في هذا.
وسئل مرة عن الإخلاص، فَقَالَ: اذهبوا إِلَى الزهاد، وأي شيء نحن حتى تجيء إلينا؟ وجاء إِلَيْهِ رجل فمسح يده عَلَى ثيابه ومسح بهما وجهه، فغضب الإمام أحمد، وأنكر ذلك أشد الإنكار، وقال: عمن أخذتم هذا الأمر؟!
الثاني: التشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة، فهذا حسن مندوب إِلَيْهِ، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي ﷺ في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه. وذلك مقتضى المحبة الصحيحة، فإن المرء مع من أَحَبّ، ولابد من مشاركته في أصل عمله وإن قصر عن درجته.
قال الحسن: لا تغتر بقولك: المرء مع من أَحَبّ، إنه من أَحَبّ قومًا اتبع آثارهم، ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتصبح وتمسي وأنت عَلَى منهاجهم، حريصًا أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصرًا في العمل؛ فإن مَلاكَ الأمرِ أن تكون عَلَى استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم ليسوا معهم؛ لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقتهم فصار مأواهم النار؟ نعوذ بالله من النار.
كان يونس بن عبيد ينشد:
فَإِنَّكَ مَنْ يُعْجِبْكَ لا تَكُ مِثْلَهُ ... إِذَا أَنْتَ لَمْ تَصْنَعْ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ
1 / 253