وكيف (1) يؤكد لمن كفر حق الجوار على المؤمنين وحرمه (2)؟! وقد أمر أن يقاتلوا من كفر ويسفكوا دمه ، إن في هذا من الاختلاف والبعد ، لما (3) لا يخفى على من وهبه الله أقل الرشد ، فنعوذ بالله من الحيرة في دينه ، ومن الضلالة بعد هداه وتبيينه ، عمي من (4) خالف حكم الله في هجرة دار الظالمين بهواه ، فأسلمه الله إذ (5) اتبع الهوى إلى عماه.
أو ليس بمعلوم فيما فطر الله من العقول ، وفي أقل ما يوجد بها من فهم كل معقول ، أن من جاور لأحد عدوا فحاله ، فضلا أن يقاعده ويعامله ، فقد أغضبه وأساءه ، (6) وكثر بشخصه أعداءه ، كذلك من جاور أعداء (7) الله ، فهو من المغضبين لله ، بغير ما شك في حجة (8) الألباب ، وقبل ما نزل الله في ذلك من الكتاب.
فكيف بمن اغتر وخدم؟! وجالس وحدث وكلم ، وجاء وذهب ، وأجلب وركب ، وتفقد المجالس والخلوات ، وألم بحواضر الحفوات (9)، فراح وبكر واغتدى ، وظل وبات ساهرا كمدا ، مراقبا في مجالسهم ومقاعدهم للقوت ، قد أغفلته مراقبة ذلك (10) عن كل سقم أو موت ، فكأنه لا يخطر بباله للدنيا زوال ولا فناء ، ولا يتوهم أنه يكون له إلا
Page 255