كانوا فيما مضى يأكلوننا بعد قداس نصف الليل، واليوم غيروا الشريعة فصاروا يقدسون ساعة يريدون: في العصر وفي المساء وفي السهرة، فلماذا لا يغيرون عادة أكل الديوك ويريحوننا؟!
كأنهم لا يصبرون على الأكل لشراهتهم، فحللوا ما حرموه تسعة عشر قرنا، عدلوا طقوسهم على هواهم وبقينا نحن قرابينهم.
مساكين نحن الدجاج، إننا لا نؤذي أحدا حتى الذين يقبضون علينا ليقطعوا رقابنا. أهكذا تكون الأعياد على الضعاف الذين لا حول لهم ولا طول؟ فلين يا رب قلب ابنك المدلل.
ارحم يا رب عبيدك الدجاج.
فقوقت الدجاجات إعجابا بفصاحة الزعيم، ووثقن بدنو الفرج القريب وسلامة الديوك من الذبح، لأنه يعز عليهن فراقهم. بيد أن تلك الآمال قد خابت، وما جاء المساء حتى كان في كل قن مجزرة، وأصبحت الدجاجات أرامل وإن لم يلبسن الحداد.
كنا في ذلك الزمان نصوم اثني عشر يوما منتظرين هذا الديك الشهي، أما في زمننا الحاضر فنأكل ديوكا ولا نصوم. كانوا يسمون الأيام الاثني عشر الصوم الصغير، ولذلك كانت ضحيته ديكا، أما اليوم فيأكلون ولا يصومون. وإني لأعجب من هذا الديك الذي صلى يسأل ربه أن يرفع يد الإنسان عنه وعن بني جنسه، ترى أفاته أن هذا الإنسان يذبح إخوانه ولا يرحم أحدا.
إن رسالة البشر رسالة بطون، وعبثا يتعب إخوان المعري أن يردعوهم. أما الحيوانات الداجنة فقد ظلمتها الحضارة، فلو بقيت آبدة لنجا أكثرها بجلده وريشه، ولكنها جاورت البشر فصارت في متناول أيديهم فقصرت أعمارها، وما أشبهنا بها نحن البشر في خنوعنا!
إن تضرعك أيها الديك لا ينفعك شيئا لأن الإنسان لا يفهم إلا شريعة القوة، وما زلت ضعيفا فهيهات أن تسمع صلاتك.
صاحبنا الصيف
إذا كان الربيع عطرا وزهرا وجمالا، فالصيف جمال وعطر وثمر. هو أرحب الفصول صدرا ودارا، وأوسعهم بساطا، وأغزرهم مادة تهب الحياة، ولذلك جاء في المثل: الذي لا يصيف لا يشتي. فكأن هذا الفصل طبيب يمنحك مع علمه الدواء والشفاء.
Unknown page