لا يعني مويس إلا أن تبيض مضيفته الوجه وتقوم بالواجب، وليتبجح الهذيليون ما شاءوا، وإذا هذروا وصخبوا رثى لهم وما زاد على القول: يا أبتاه اغفر لهم.
اللهم أبعد عنا الليلة الظلماء. ولا تدخلنا في التجارب.
بق البحصة يا شماس
كان لأحد المطارنة شماس رخيم الصوت. وكان المطران يطرب حتى يترنح حين يخدم له القداس هذا الشماس، ويرجع في التسابيح والميامر كأنه الحسون. رأى المطران في شماسه شركا ينصبه للمؤمنين فيقبلون على سماع القداس جماهير تعج بهم الكنيسة. لذلك صبر صاحب السيادة على ما في شماسه من عيب ، وحاول إصلاحه جهده.
كان عيب الشماس أنه يسب الدين، وسب الدين خطيئة مميتة. الوعظ والإرشاد لا يقومان ما اعوج من أخلاق الناس وخصوصا متى رسخت فيهم عادة، والشماس عسي وكبر، فما الحيلة فيه إذن؟ كان المطران يرشد شماسه كل يوم ولكن السباب لا ينقص، حتى قال الشماس: يا سيدنا. لا أراني إلا نسيت، ودارت تلك الكلمة على لساني. فإذا كان عندك دواء فأنا مستعد أن أقبله مهما كان صعبا ومرا.
فقال المطران: حط يا ابني في بوزك بحصة، وكلما دعتك حالة لقول تلك الكلمة تذكرك البحصة فلا تقولها. - طيب يا سيدنا، البحصة تظل في بوزي من الآن وطالعا.
ووضع الشماس في فمه حصاة ناعمة، ونجحت التجربة وأقلع الشماس عن السب، فشكر المطران المعجب بشماسه ربه على هذه النعمة التي صيرت شماسه لا عيب فيه.
ودعي سيادته إلى مأتم فركب البغلة، ومشى الشماس يحدوها بترانيمه الروحية التي لم تكن تنقطع إلا عندما يمرون بقرية، حتى إذا ما خرجوا منها استأنف الشماس ترتيله الذي كان يطرب المطران والبغلة معا.
وأقيمت صلاة الجناز وتألبت الجماهير لتسمع الشماس يرتل (الحساية) ترتيلا ملائكيا. وبعد الدفن عاد المطران أدراجه، وفي الطريق انهل المطر ثم استحال بردا فتضايق مقدم صاحب السيادة. وفيما كان الشماس يحث البغلة لينجو وسيده من الشئوب ذي البرد، إذا بامرأة لاطية تحت شجرة على مقربة من الطريق، تصيح بكل ما في حنجرتها من قوة: دخيلك يا سيدنا، يا سيدنا. - سيدنا دخيلك. وقف عندك.
فهال المطران ذاك الصراخ الفاجع ووقف، والبرد يتساقط عليه.
Unknown page