Hayat Wa Haraka Fikriyya Fi Britania
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
Genres
كما اضطهدت كل من حدثتهم أنفسهم بالخروج على سلطتها من العلماء والمفكرين في القرون الوسطى، ويرجع الفضل في بحث الطريقة الجديدة في الوصول إلى المعرفة وفي تمحيصها ووضعها على أساس ثابت من الناحية الفلسفية إلى الفيلسوف الإنجليزي «السير فرنسيس بيكون»
Sir Francis Bacon
الذي عاش (من سنة 1561 إلى سنة 1626) ففي كتابات هذا الرجل الذي جمع بين صفات متعددة؛ منها صفة الفيلسوف وصفة السياسي وصفة الأديب نجد في كتابات هذا الرجل ما يكاد يكون دستورا كاملا للطريقة الجديدة في البحث والتفكير، وقد بحث السير فرنسيس بيكون في كتبه ومؤلفاته في هذا المنطق الجديد منطق الوصول إلى المعرفة عن طريق المشاهدة المباشرة وبين الطرائق الصحيحة لهذا المنطق، ووضع قواعد عامة لهذا النوع من التفكير، فخلد بذلك ذكره في تاريخ العلوم وفي تاريخ الفلسفة على السواء، وقد وصف السير فرنسيس بيكون مواهبه الخاصة وطبيعة عقله، والأغراض التي يرمي إليها وصفا دقيقا سأقرؤه على حضراتكم، قال:
I Found that I was fitted for nothing so well as for the study of truth; as having a mind nimble and versatile to catch the resemblances of things (which is the chief point) and at the same time steady enough to fix and distinguish their subtler differences; as being gifted by nature with desire to seek, patience to doubt, fondness to meditate, slowness to assert, readiness to consider, carefulness to dispose and set in order; and as being a man that neither affects what is new or admits what is old, and that hates very kind of imposture. So I thought my nature had a kind of familiarity and relation with truth.
ولا شك في أن هذا الوصف الذي صيغ على صورة نوع من التحليل النفسي يصلح لوصف عقلية العالم المدقق، ولتعريف المثل الأعلى لهذه العقلية بصورة لا تكاد تختلف في شيء عما هي عليه اليوم، وفي كتابه
Novum Organum ، أو الطريقة الجديدة يقول ما تعريبه: «إن المنهاج الذي أقترحه للكشف عن العلوم هو بحيث لا يترك إلا القليل لحدة الذهن وقوته، وهو يضع جميع العقول في مستوى واحد تقريبا، فكما أنه إذا أريد رسم خط مستقيم أو دائرة كاملة الاستدارة كانت النتيجة متوقفة على ثبات اليد التي ترسم وعلى مرانها إذا كانت اليد ترسم وحدها، أما إذا استخدمت مسطرة أو فرجار فإن جميع الأيدي تكاد تتساوى، فكذلك في الطريقة التي أقترحها تكاد جميع العقول تتساوى.»
ولا يتسع المقام للبحث في تعاليم بيكون الفلسفية وطريقته الاستقرائية ، فإن ذلك مفصل في كتب المنطق الحديث، ولكنه لا بد من الإشارة إلى أمرين؛ أولهما: أن من الخطأ افتراض أن المنطق الاستقرائي قد خلقه بيكون أو خلقته النهضة في أوروبا خلقا، فمن المحقق أن أرسطوطاليس قد بحث في هذا النوع من المنطق ووضع له حدودا وطرائق، كما أنه من المحقق أن العرب قد نقلوا عن أرسطوطاليس وأضافوا إليه، وأن كتبهم قد وصلت تراجمها اللاتينية إلى أوروبا، فمباحث بيكون تعتبر جمعا وتبويبا لآراء من سبقوه وإن كانت لا تخلو من كثير من الإضافات والابتكارات التي تدل على قوة شخصية المؤلف وعلو كعبه، والأمر الثاني هو أنه لا يجب أن يفترض أن العلماء والمفكرين لم يكونوا يستخدمون الأسلوب الاستقرائي قبل عصر بيكون، فالمعرفة البشرية منذ فجر التاريخ كانت دائما تستمد من المشاهدة المباشرة للطبيعة عن طريق الاستقراء المنطقي الصحيح، فوصول أرشميدس إلى قانونه المشهور عن دفع السوائل ووصول ابن الهيثم إلى معرفة قوانين الانعكاس والانكسار للضوء، ووصول كوبرنيكوس (1473-1543) قبل أن يولد بيكون إلى وصف حركات المجموعة الشمسية، كل أولئك أمثلة على تطبيق المنطق الاستقرائي في تاريخ العلوم، والفضل الحقيقي لبيكون إنما هو في إقراره الطريقة الاستقرائية في التفكير، وفي مناداته بها، وفي وضعه لها على أسس فلسفية ثابتة، ودعوته الناس إلى استخدامها وتطبيقها في وقت كانت فيه أوروبا لا تزال متأثرة أشد التأثر بالطريقة القديمة في التفكير، وبالرغم من تسلط الكنيسة على كثير من العقول والأرواح، ولا شك في أن للإنجليز أن يفخروا بالسير فرنسيس بيكون كمؤلف للمنطق الجديد وكمساهم في تأسيس النهضة الفكرية في أوروبا.
وقد أدت مجهودات بيكون الفكرية إلى نشوء فلسفة جديدة في أوروبا؛ فنشأت مدرسة جديدة من العلماء والمفكرين، أساسها هذه الفلسفة البيكونية، وكان من الطبيعي أن يتزاور هؤلاء العلماء، وأن يتراسلوا، وأن يجتمعوا للبحث والتذاكر في هذه الفلسفة الجديدة أو هذه الفلسفة التجريبية كما سميت ولا تزال تسمى، ففي لندن كان بعض هؤلاء الفلاسفة يعقدون اجتماعات أسبوعية منذ سنة 1645 يحضرها بعض الأشخاص الأفاضل الراغبين في استطلاع الفلسفة الطبيعية وغيرها من نواحي العلوم البشرية، وعلى وجه الخصوص في استطلاع ما سمي الفلسفة الجديدة أو الفلسفة التجريبية أو على حد التعبير الأصلي:
divers Worthy persons inquisitive into natural philosophy and other parts of human learning, and particularly of what hath been called the new philosophy or Experimental Philosophy .
وفي أكسفورد كان يختلف بعض الفلاسفة إلى مسكن الدكتور
Unknown page