Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
وروت عن طبيبة إنجليزية أن المرأة الهندية تبقى حياتها في حال خمول عقلي، لأنها دائما مصابة بأحد الأدواء السرية ومنهوكة القوى من تكرر العلاقة الجنسية التي يمارسها زوجها ثلاث أو أربع مرات في اليوم الواحد (ص61).
وقد نقلت كاترين مايو في ص63 مقالة بقلم المهاتما غاندي نشرها في مجلة «الهند الفتاة» 7 أكتوبر سنة 1926 ص349 ضد الزواج المبكر. ونسيت أن غاندي قال في ختام هذه المقالة إن الذنب فيما وصلت إليه حالة الهند الاجتماعية واقع على رأس الحكم الإنجليزي، لأن:
الرجل والمرأة في الهند كانا من خمسين عاما أقوى وأصح وأطول عمرا مما هما عليه الآن:
وعادة الإنجليز في المستعمرات أن يعملوا جهدهم في إضعاف الشعوب المحكومة خلقيا وعقليا لتدوم سيادتهم، في حين أنهم في بلادهم وبين الإنجليز العائشين في المستعمرات يشرعون التشريع الذي يحفظ صحتهم وينمي قواهم العقلية ويطيل أعمارهم، وليست حرب الأفيون التي شنت غارتها على الصين لامتناع أهلها عن تعاطي ذلك المخدر القاتل ببعيدة، وقد سميت حرب غوردون لأن الجنرال شارل غوردون كان قائد تلك الحملة المشئومة، وهو نفسه الذي لقي حتفه بعد ذلك ببضع سنين في الخرطوم على أيدي الدراويش.
وادعت في (ص71) أن الهنود كانوا يئدون بناتهم، فقد ادعت أن أحد المهراجات قال لرجل إنجليزي: «صاحب! أنت تعرف عاداتنا، كانت البنات تولد حقا ولكن منذ جيل مضى لم يكن مسموحا لهن بالبقاء على قيد الحياة ...» وأكدت مايو في ص71 أن هذه العادة لا تزال سائدة في أنحاء كثيرة من الهند. وقالت - والعهدة عليها - في تعليل إحراق الأرامل عند البراهمة، وهي العادة التي أبطلها الإنجليز إن رجلا هنديا اعترف للمؤلفة بأن الأزواج يسيئون معاملة الزوجات إلى درجة أنهم يخشون على حياتهم من القتل غيلة بدس السم في الطعام فسنوا سنة إحراق الأرملة، حتى إذا فكرت في قتل زوجها تعلم أنها لن تعيش بعده طرفة عين فتحجم عن الجريمة! وقررت أنها رأت في بعض السجون نساء مسجونات بتهمة قتل أزواجهن، ونسيت ما تنشره صحف الأخبار في أوروبا وأمريكا كل صباح ومساء عن ألوف النسوة اللواتي يتآمرن مع عشاقهن على قتل أزواجهن بالسم إذا أعوزهن المسدس ولم يضمن صدور الحكم بالبراءة من محاكم نيويورك ولندن وباريس. وقالت إن الإحصاء الرسمي الأخير الصادر في سنة 1925 أثبت أن في الهند 26834838 أرملة، أي ضعف سكان القطر المصري من ذكور ونساء وصغار وكبار ومرضى وأصحاء!
الولادة العسرة في الهند
أما وصف عملية الوضع إذا جاء للمرأة الهندية المخاض الذي لطخت به كاترين مايو كتابها في الصفحات 90 وما بعدها، فمما يحمر له وجه الإنسانية خجلا وتظهر فيه رغبة المؤلفة في التشنيع والفضيحة ولا يقصد منه إصلاح البتة، ولو افترضنا صحة بعض ما جاء فيه لأن الهنود يعتبرون كل ما له مساس بالوضع نجسا، فماذا صنعت الإدارة الإنجليزية في هاتين المائتي سنة التي دامت خلالها السلطة البريطانية في الهند؟ وأين التمدين والحضارة والخدمة الإنسانية؟ وهل يعقل أن وضعا يدوم خمسة أو ستة أيام وأن الداية (وهذا اسم القابلة باللغة الهندية) تمزق رحم الأم إربا لتخرج الطفل حيا أو ميتا (ص93) بحيث يمسي الوضع أبشع وأفظع وأفجع من الموت نفسه؟ ثم إن المؤلفة لا تخجل بعد ذلك إذ تذكر أن نجاح الهند مطرد ومستمر، وأن الشعب في بحبوحة من العيش وسعة من الرزق، ثم تعود فتنتقد نظام الحجاب «بوردا»، وتدعي بعد أن تكلمت عن «نجاح الهند المطرد وسعادة شعبها» أن الدكتور لانكستر ذكر ارتفاع نسبة الوفيات في النساء من السل الرئوي ارتفاعا ذا خطورة، وأن انتشار ذلك الداء الوبيل راجع إلى عادة الحجاب «بوردا»، وأن نسبة الوفاة السنوية تتراوح بين تسعمائة ألف ومليون شخص يموتون مساناة بداء الصدر (تقرير الدكتور أندرو بلفور وكتاب «صحة الإمبراطورية» ص286 سنة 1924).
وبمناسبة ذكر الدكتور بلفور أقول إن الطبيب المذكور انتدب لفحص صحة سكان القطر المصري في سنة 1920 أو 1921 (بوصف كونهم من رعايا الإمبراطورية البريطانية)، وقدم تقريرا وافيا فيه أبشع بيان عن حالة القطر الصحية، وذكره سير ڤالنتين شيرول في مقالاته وكتبه، ولعله محفوظ بين ثنايا «الدفترخانات» في مصلحة الصحة، ولم ينفذ منه شيء لأن السلطة القاهرة تمنع الأعمال التي تعود على هذه البلاد بشيء من الخير.
ولعل الإنجليز يرسلون البعثات من هذا القبيل لا لإصلاح الفاسد وتقويم المعوج من شئون الأمم التي بليت بحكمهم، ولكن ليستشهدوا بانحطاطنا وتأخرنا وانتشار الأمراض في شعوبنا عند مطالبتنا بحقوقنا، وليظهروا أمام الأمم الأخرى بمظهر الضعفاء والمنهوكين غير الصالحين للحياة. ولذا ترى كاترين مايو تغترف اغترافا من تقارير أطباء الإنجليز وطبيباتهم، وقد قالت: إن النساء اللواتي لا يرين الطريق منذ زواجهن إلى يوم وفاتهن يتراوحن في الهند بين 11 مليونا و17 مليونا وثلاثمائة ألف نفس، قد قضي عليهن بالسجن المؤبد بحكم العادات والزواج 116.
الأخلاق والوطنية
Unknown page