Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
كان كثيرون من الشرقيين يبنون صروح الآمال على تغيير الحكومة الإنجليزية وانتقالها من أيدي المحافظين إلى أيدي الأحرار، باعتقاد أن انتساب الأحرار إلى المعنى الذي تتوق إليه أنفسهم يمتد حتما إلى مبادئهم في السياسة الخارجية وتطبيق نظريات الحرية في معاملة الشعوب المغلوبة أو الأمم المحكومة، وهم معذورون في ذلك، لأن كلمة الأحرار وما يشتق منها من الألفاظ والمعاني تغري الرجل البسيط. وغاب عن ذهنهم أن التفريق بين المحافظين والأحرار يرجع إلى طريقة الحكم الداخلية في بلاد الإنجليز نفسها ولا يمتد إلى خارج حدود الجزر البريطانية، وها نحن قد أثبتنا نبذة من خطبة مستر إيورت غلادستون زعيم الأحرار في القرن التاسع عشر.
وإن كان ينقصنا الدليل بعدها فإليك ما حدث في سنة 1905 عندما انتقل الحكم من يد بلفور المحافظ وابن أخت سالزبري وربيب بيت سيسيل إلى يد سير هنري كامبل بانرمان زعيم الأحرار في أوائل القرن العشرين، فقد تنفس كثيرون في الشرق، وظنوا أن نظام الحكم سيتحور تبعا لتغيير الدولة، فأسلم بانرمان زمام وزارة الخارجية إلى إدوارد جراي الشهير الذي كانت له في توطيد أركان الاستعمار والسياسة الإمبريالية مواقف مشهورة وكلمات جوامع لا تزال ترن في آذاننا، وكان إدوارد جراي من أصفى الأحرار مبدأ وأقدر ساستهم على تسيير دفة الأمور، وما زال حاكما بأمره في الشئون الخارجية حتى أعلن الحرب على ألمانيا وساير الحرب العظمى حتى شبت عن الطوق وشارفت على دورها الأخير فأصيب بالكمه وأمسى كفيفا فتخلى عن العمل لسواه، وطالما صرح سير جراي (وقد صار الآن لوردا) بأن سياسة إنجلترا الخارجية لا تتغير، ومسلكها نحو الممالك المحكومة لا يتحول، وأن مصالح الإمبراطورية خارجة عن حومة المنازعات البرلمانية. وكان صادقا ولم يقل إلا الحق، فإن إنجلترا في عهد الأحرار لم تخسر شبرا من أملاكها لا وراء البحار ولا أمامها، بل كسبت بفعلهم مستعمرات جديدة في أفريقيا وآسيا. وآراء سير جراي مشروحة بما فيه الكفاية في مذكراته التي نشرت أخيرا ونقلت إلى اللغة العربية.
وقد نسج على منواله أحد زعماء الأحرار الإنجليز في التصريح بالخطة السياسية، وهو سير هيربرت صمويل المندوب السامي السابق في فلسطين، فقد ألف كتابا ذا شأن عنوانه «سياسة الأحرار» أو الليبراليزم، قدم له لورد اسكويث زعيم الأحرار المتوفى بفصل طويل.
فشرح سير هربرت نظرية الاستعمار البريطاني في عهد الحكومات الحرة، وحدد مسئولية الأحرار في موضوع الإمبراطورية في الصفحتين 343 و344، قال ما ترجمته:
إذا صح أن مبدأ الإمبريالزم ينطوي على العزم المؤكد والحزم الصحيح في الدفاع عن الإمبراطورية التي نملكها وعلى عاطفة الاتحاد بيننا وبين المستعمرين الإنجليز، والرغبة الشديدة في تقدم الإمبراطورية بدون إلحاق أذى بالغير وتنمية التجارة البريطانية دون العمل على خراب الشعوب المحكومة، واستمرار السلطة البريطانية والنفوذ الإمبراطوري مع تمهيد الطريق للتوسع في حريات الأجناس الوطنية (كذا) وعدم السعي في مهاجمة جيراننا والكف عن المغازي والفتوحات في سبيل امتلاك أراض جديدة إلا إذا زادت منافع تلك المغازي حتما عن مضارها (كذا) مع اتقاء سفك الدماء ما أمكن، وإذا كانت الإمبريالزم مدفوعة بالتحمس الشريف الذي يقبل النقد في سبيل الإصلاح؛ إذا صح أن الإمبريالزم ينطوي على ذلك إذن وجب علينا أن نصرح بدون مخاطرة ولا خوف من الإنكار أن حزب الأحرار الإنجليزي هو حزب إمبريالست استعماري.
وهربرت صمويل مؤلفا يعد في نظري خليفة لغلادستون سياسيا وخطيبا، فقد تقدم لوضع أساس للمبدأ الحزبي في غير تردد ولا تلكؤ، وعندنا أن كتابه يعد نبراسا لكل سياسي شرقي يريد الوقوف على سياسة الإنجليز الاستعمارية، فهو يؤكد أن الإمبريالزم والليبرالزم مبدأ واحد وأنهما ينطويان على القواعد الآتية:
أولا:
شدة اليقين في الدفاع عن المستعمرات.
ثانيا:
عاطفة الارتباط والتوحيد بين الأحرار والمستعمرين (أي المقيمين في المستعمرات).
Unknown page