Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
ولم يكن ساڤاركار لصا ولا سارقا، إنما كان مقبوضا عليه في تهمة سياسية، وكان منقولا على ظهر باخرة إنجليزية إلى الهند، فلما بلغ ثغر مرسيليا انتهز الفرصة وفر ظنا منه أن فرنسا تنقذه بحكم القانون الدولي. وقد قبضوا عليه وعقدت بشأنه محكمة دولية في لاهاي وأعضاؤها إنجليز وفرنسويون وهولنديون، ودافع عن ساڤاركار محام فرنسوي هو الأستاذ جان لونجيه وقدم للمحكمة مذكرة مستوفاة، وكان ذلك في سنة 1912.
وكانت النتيجة أن حكمت تلك المحكمة بتسليم ساڤاركار إلى أعدائه فتسلموه كما يتسلم القصاب أحد الخراف، وحاكموه وحكموا عليه بالنفي المؤبد في جزيرة لاكاديڤ ملاديڤ، حيث عاش بضع سنين.
وليست هذه سوى قضية من قضايا لا عدد لها تدور كلها حول العدل الأوروبي، وقد عدلت أوروبا حقا في هذه المسألة فمنحت مندوبيها ألقاب شرف لتقنع العالم المتطلع بأنها إنما فصلت في القضية بفضل اجتهادهم ومهارتهم وليس للمجاملة أو للسياسة دخل في الحكم.
فأين العدل؟ وكيف نلتمسه ممن يهيجون ويثورون لإيذاء فرد ويقلبون الأرض لجريمة وقعت على مال ثابت أو منقول، ولا يحركون ساكنا إذا رأوا شعبا بأسره يهلك ويزول من الوجود ... بل يقولون عنه: «هذه مسألة فيها نظر!»
يجب أن يكون خلاصنا بأيدينا لا بأيدي الغير، ويجب أن ننتظر النجاة من جهودنا لا من عطف الأجانب؛ لأن الأجنبي لا يعطف صادقا ولا يرحم إلا مجاملة في الظاهر وهو في الحقيقة يبطن البغض والكراهية وأكثر منهما.
لشد ما كان تعلق الشرقيين بأسباب النجاة من أوروبا المستعمرة!
فإنه عندما ظهرت اليابان على روسيا سنة 1904 ومدت إنجلترا إليها يدها وضمتها إلى الدول العظمى وجعلتها في مصاف ألمانيا وفرنسا ولم تبال بما ينتج عن ذلك من مغاضبة أمريكا وروسيا؛ ظن الشرقيون أن آمالهم أصبحت محصورة في اليابان فاتجهوا إليها يستجدونها، وخطر ببال بعض المفكرين أن اليابان يجب أن تكسب للإسلام وأن لا تبقى فريسة الوثنية، فتألفت وفود في مختلف الأقطار الإسلامية وسافرت إلى اليابان، وألف عالم مسلم كتابا اسمه «التاج المرصع» في فضائل الإسلام وأهداه إلى الميكادو متسوهيتو، وذهب ضابط مصري اسمه فضلي ونشر في اليابان مجلة للتبشير بالإسلام باللغة الإنجليزية، وكان رجلا ذكيا ويتقن بضع لغات، وقابلته الحكومة اليابانية بالسرور لأنها لم ترض أن تخجل هؤلاء الفضلاء، وبعد بضع سنين عاد القبطان فضلي بزوجة يابانية! ولم يسلم ياباني واحد!
وكانت هذه نتيجة منتظرة.
لأن الياباني لم ير من دينه سوءا ليطلقه فإن الوثنية وعبادة الأجداد هي التي أوصلته للنصر، وإن لم تكن هي التي أوصلته للنصر فهي على كل حال لم تقف عثرة في طريق النهضة القومية، فلماذا يتركها ويدين بغيرها؟ على أن الياباني ليس له عقيدة واحدة بل إن له جملة عقائد، فمنهم البوذي ومنهم الكونفوشيوسي ومنهم المسيحي وليس بينهم مسلم واحد، وكل دين من هذه الأديان متغلغل في نفوس ذويه منذ مئات السنين، فكيف يمكن أن يزول أثره في طرفة عين ليحل محله دين جديد ليس لهم به علم، فضلا عن أن دولة لم تكن على شيء من القوة بل كانت نهبا لدول أوروبا؟ لو أن الإسلام ظهر في اليابان في أيام عظمة دوله في الشرق والغرب فربما كان اليابانيون انتحلوه، ولكن ظهرت دعوته في بلادهم في وقت انحطاط ممالكه.
وقد غاب عن ذهن هؤلاء المبشرين المسلمين أو المرشدين أن انتقال اليابان من دينهم إلى الإسلام كان يحقد عليهم أوروبا ويغيظها ويحنقها، ولا سيما بعض دول الاستعمار الجديدة التي نصبت نفسها لمعاداة الإسلام وقهره في سائر أنحاء العالم.
Unknown page