Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
طبعا إن هذا ملخص وجيز جدا لمقال اللادي دراموند، ولكنه مشتمل على لب الموضوع. والغاية المقصودة منه في الوقت الذي تنشر فيه الدعوة في الشرق، يراد الإيهام في الشرق نفسه عن طريق مجلة إنجليزية بأن الفكرة تختمر في أدمغة العرب، أي إنها ليست آتية من الخارج، وبطبيعة الحال ترى القارئ الإنجليزي المطلع يعلم خفايا الأمر، كما أن القارئ العامي الإنجليزي لا يهم أمره.
وقد كانت فكرة الدعاية هنا أوضح وأكثر دهاء، لأن الكاتبة لم تقصر الحلف على ابن سعود وفيصل بل قالت إنه سيكون نواة يضم الأجناس العربية من طنجة إلى فارس، وإن مصر ستكون تاجا لهذا الحلف في النهاية.
ووصفت اللادي هذا المشروع بأنه حلم لذيذ، وجعلت الغاية البعيدة فدى للغاية القريبة، حتى لا يعترض أحد على حلف العراق والحجاز الذي له غاية مباشرة.
ولم تتردد جريدة عربية بعد ذلك ببضعة أيام في نشر النبذة الآتية:
ألم نقل لكم إن المسألة ما كانت جدية قط، وإن نوري باشا السعيد يريد المتاجرة لوزارته بهذه الضجة، وإن الإنجليز يريدون تسخير ملوك العرب لصيانة الخط الحديدي الاستعماري المهول الذي سيمتد من حيفا إلى خليج فارس.
على أن هذا الحلف العربي الذي قامت حوله الضجة في هذه الأيام (فبراير ومارس سنة 1931) ليس وليد اليوم، بل إن صحف فارس تقول إنه يذاع خبره وينشر له من سنة 1926، وروى لنا أحد الثقات في أمور الشرقين الأدنى والوسط أنه يعلم خبره من ست سنين، وأنه فكرة إنجليزية محضة ، غايتها الاستيلاء التام على جزيرة العرب، لأنها مركز المواصلات بين العراق والهند ومصر وفلسطين. وبالجملة يعد الاستيلاء عليها بمثابة القضاء الأخير على قوة الإسلام في العالم. وقد رأينا الحلفاء بعد الحرب يهاجمون تركيا في الأناضول، فلما فشلوا انقلبوا يهاجمون القوة الباقية للعرب في الجزيرة.
والحلف العربي الصحيح لا يكون إلا بجلاء الإنجليز عن تلك البلاد وترك شئونها لأهلها يتحالفون أو يتخاصمون، أما عقد حلف في حضورهم وتحت سمعهم وبصرهم فهذه خرافة لم تأت بمثلها مجاميع المتيولوجيا في العالمين القديم والحديث.
حقيقة رأينا في الأمير شكيب أرسلان
إن عطوفة الأمير شكيب أرسلان كاتب الشرق الأكبر وعالم العربية الأوحد من أعظم خدام المسألة الشرقية، وهو منذ أربعين عاما يعمل دائبا في خدمة الإسلام والعرب والشرق لا يني ولا يرقد، وله في كل واد أثر، وفي كل دولة خبر، وقد طاف أنحاء العالم ينشر الدعوة الصالحة ويدعو قومه إلى النهوض والكفاح، وكأنه لشدة غيرته وكثرة ما ينشر ويؤلف ويدون عصبة مباركة، فبينا هو في أمريكا يدافع عن مسألة سوريا تراه في الحجاز يؤدي الفريضة المقدسة، ولا تلبث أن نقرأ خبر رحلته في الحجاز، فإذا هو يطوف أنحاء الأندلس باحثا منقبا في آثار الجدود، ليعلي شأن العرب وليخلد بقلمه الرائع صحائف مجدهم، وقد كانت له وقفات نذكرها في كل نهضة وفي كل عمل جليل. ولم يتهجم على الشرق والإسلام والعربية متهجم إلا وكان له الأمير بالمرصاد يرد كيده في نحره ويقفه عند حده ويدفع حجته بحجة ناصعة هي الحق المبين والصدق الذي لا يأتيه الباطل من شمال أو يمين. وهو الآن راض بالنفي في أقطار أوروبا بعيدا عن وطنه العزيز حيث ينشر المجلات باللغة الفرنسية لينفي عن الإسلام بعض تلك التهم التي يوجهها إليه خصومه الأغيار وأعداؤه الألداء.
هذا رأينا في الأمير وفي جهاده، ونحن مهما أوتينا من قوة في البيان وبلاغة في الوصف وانطباع على عرفان الجميل وغريزة لإذاعة فضل الفضلاء لا نملك أن نفي هذا الرجل العظيم حقه من الثناء، فإنه أكبر أركان النهضة الشرقية ومن أعظم أبطال الحياة القومية في الشرق والإسلام والعرب، وليس هو وحده المهاجر المضحي بل مثله شقيقه الأمير عادل.
Unknown page