Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
فخشيت المجلة عاقبة التصريح بكلمة المسيحية.
والحقيقة أن المسيحية الحقة الصادقة ليست هي الملومة وليست مسئولة عن شيء ولا يمكن أن تؤدي إلى الاستعمار أو البغضاء أو المطامع الأشعبية أو إذلال الأمم، ولكن تعصب الأمم الأوروبية التي تنتسب إلى المسيحية خطأ وكذبا هو الذنب الأعظم، وهو الذي يظنه الناس ممثلا للمسيحية مع أن هذا التعصب الذميم ليس من الدين المسيحي المجيد في شيء، لأن دين عيسى دين حب وعطف وحنان ورحمة وسماحة.
ويصح أن يقول الأمير شكيب: والقوتان الهائلتان الاستعمار وتعصب شعوب أوروبا التي تنتسب كذبا إلى الدين المسيحي المجيد.
وبهذه المناسبة نذكر أن أوروبا هاجمت الشرق بالتبشير في مراكش وطرابلس كما تهاجمه في مصر وجزائر الهند الشرقية، وقد شهدنا أخيرا في مصر أن بعض أوساط التبشير قد وصل بها الاستهتار بمبادئ حرية الأديان التي تنادي بها في أوطانها إلى درجة أن استهوت شابا مسلما وحولته عن عقيدته تارة بالتنويم المغناطيسي وطورا بالاستهواء والترغيب حتى انقطع عن مدرسته وبيته، وشرعوا فعلا في إقصائه عن القطر المصري ونقله خفية إلى بعض جهات العالم الجديد لولا تدخل الحكومة المصرية والصحف في أمره.
أما في جزر الهند الشرقية فقد استعملت حكومة هولندا كل الوسائل في تنصير المسلمين من أهل جاوا، حتى بلغ عددهم في هذه السنة ستين ألفا انتقلوا من الدين الإسلامي إلى الدين المسيحي، وقد كان عدد الحجاج الجاويين الذين يقصدون إلى الأماكن المقدسة بالحجاز في كل عام ستين ألفا فصاروا في سنة 1350 بضع مئات، أما عدد الستين ألفا فقد تحول بحذافيره من قبلة الكعبة إلى عقيدة البروتستانت!
والذي يشهد تلك الحالة في أفريقيا وآسيا وجزر الهند يعتقد أنها خطة مدبرة لجأت إليها أوروبا أخيرا بعد أن فشلت جميع الوسائل في محاربة الإسلام.
نعود إلى سر عظمة اليابان وتقدمها ذلك التقدم العجيب الذي بهر العالم منذ حربها مع الصين في سنة 1895 إلى اليوم، فقد كان سبب نهوضها ضرب بعض موانيها بمدافع الأسطول الأمريكي، بقيادة أمير البحر بيري في أواسط القرن التاسع عشر، فكانت أصوات تلك المدافع المباركة بمثابة دقات الناقوس المنبه لليقظة بعد طول الرقاد لتلك الدولة الفتية، التي نهضت بنفسها منذ ستين سنة نهوضا عجيبا حتى أصبحت صناعتها وتجارتها تنافسان صناعة أكبر الدول وتجارتها بغض النظر عن نموها الأدبي وقوتها العسكرية، حتى أصبح لها بين الأمم مركز ممتاز وكلمة يحسب لها حساب في أمور الشرق الأدنى.
ولكي يقدر القارئ تقدم اليابان نستسمحه في إيراد بعض الأرقام فهي أبلغ دليل:
كانت الصادرات اليابانية في سنة 1868 تبلغ قيمتها مليونا و553 ألف «ين»، فأصبحت في سنة 1929 ألفين و148 مليون ين. وكانت وارداتها تبلغ نحو عشرة ملايين ين، فأصبحت ألفين و216 مليون ين. وكان لها في سنة 1883 ثلاثة وستون ميلا من السكك الحديدية، فأصبحت الآن 8509 أميال. وكان لها في سنة 1870 خمسة وثلاثون باخرة حمولتها خمسة عشر ألف طن، فأصبحت الآن 661 باخرة حمولتها نحو أربعة ملايين طن. وكان عدد المصانع اليابانية 661 في سنة 1885، فأصبح الآن 550577. وأخيرا كان عدد العمال الذين يشتغلون بتلك المصانع 381000، فأصبح الآن 2202000!
فما هو سر هذا التقدم العجيب؟
Unknown page