Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
وقد وفدوا على مصر بعد اختتام المؤتمر الإسلامي ببيت المقدس، ليشرحوا لمسلمي مصر مبلغ ما يلاقيه موفدوهم من ظلم البلشفيك، فلا رزق ولا راحة ولا أمان عند هؤلاء المسلمين الذين أخضعتهم طوارئ الحدثان لظلم طغاة بطرسبرج وموسكو.
لقد جاء هؤلاء الزعماء إلى مصر عقيب انفضاض المؤتمر، لاعتقادهم واعتقاد موفديهم من المسلمين المضطهدين أن مصر هي فؤاد الإسلام الخافق ورأسه المفكر ومناره الذي يشع منه النور على كل ضال وتائه وحائر، ومصدر معونة لكل ملهوف ومستغيث ومستنجد ومستنصر في بلاد المسلمين، ومقر العلوم الإسلامية ومنبت الثقافة الشرقية ومهد الحضارة.
وقد راعنا وراع كل شرقي ما يقاسيه إخواننا أهل القوقاز والتركستان والأورال المسلمون من مظالم روسيا البلشفية المشاعية المتعصبة الممقوتة، بعد أن ألقى عياض بك إسحاقيعلى خير معونته وحسن والأمير سعيد شامل في المؤتمر الإسلامي وفي مدينة القاهرة (يناير سنة 1932) نتفا من أنواع الاضطهاد والتعذيب التي يذوق هؤلاء الإخوان مرارتها، ولم ندهش فإن روسيا البلشفية هي بنفسها روسيا القيصرية في التعصب الديني وبغض الشرق والإسلام [أوروبا تهاجم الشرق في دينه وروسيا تضطهد مسلمي تركستان والقوقاز والأورال].
وإنا ننتهز هذه الفرصة لنؤكد ونعلن على الملأ مضار البلشفية للإسلام والشرق، وعدم صلاحيتها بعضها أو كلها لشعوبنا، فإن الإسلام غني بمبادئ الإصلاح والمساواة والإحسان والعدل والحرية بما لا يوجد عند البلشفيك أو غيرهم.
وكل مسلم أو شرقي يتشيع للشيوعية يكون عدو نفسه وعدو وطنه ودينه، وهذا البرهان ماثل في بلادهم. ونحث كل مسلم على مد يد المعونة لتلك الشعوب الرازحة تحت مظالمهم. •••
وقد تلا الحرب العظمى هجوم جديد من الغرب ضد الشرق، فتحاول إنجلترا إذ ذاك القضاء على تركيا في آسيا فتسلح يد ذلك المغامر الشيخ الرومي فيشهر على تركيا حربا دينية يجاهر فيها بأنه يريد القضاء الأخير على دولة الإسلام الوحيدة في أوروبا وإعادة كنيسة أيا صوفيا إلى ما كانت عليه قبل فتح محمد الثاني القسطنطينية في 1453، ونصب هذا الشيخ الذي نشأ وتربى بعتبات الأتراك وفي حمى حكامهم، وفي جزيرة كانت خاضعة لهم عندما كان هو وأجداده في عالم العدم، نصب هذا الشيخ نفسه زعيما للنصرانية ضد الإسلام ونصيرا للغرب على الشرق، وتخيل نفسه شبحا حديثا لثمستوكليس الذي رد غائلة الفرس عن اليونان قبل العصر المسيحي ببضعة أجيال. ولكن حلم هذا الشيخ المجازف المغامر قد انهار وتحطم فسقط شر سقطة، وجر معه في الهاوية ذلك الوزير الإنجليزي الكبير الذي كسب الحرب وخسر نفسه، وكان المشجع الوحيد للوزير الرومي في حرب الأناضول، فسقط الرجلان في يوم واحد، وفر الرومي إلى أوروبا وهوى الثاني عن كرسي الرياسة في دوننج ستريت. ويرجع الفضل في تلك الهزيمة الشنعاء التي كانت أقل ما يستحقه ذانك السياسيان المغامران؛ إلى رجل تركيا الأوحد وبطلها الأمجد، زعيم الحرب والسياسة ومصلح العصر الحديث مصطفى كمال رئيس الجمهورية التركية ومبيد عهد الاستبداد والرق.
وكان من المحتم أن تتطور الحياة في العالم بعد شرور الحرب وأوزارها تطورا ينبئ عن مستقبل الإنسانية الذي لعبت به أوروبا المستهترة وجعلته من أدوات لهوها ومطامعها؛ فكان في روسيا ما كان، واستولى مغامر يدعى بيلاكون على السلطة في المجر، وثارت ألمانيا بقيادة امرأة فوضوية اسمها روز لوجزمبرج لم تلبث أن قتلت في الشوارع، وهاج العمال في إيطاليا واستولوا على المصانع والمعامل، وحصلت فتن وثورات في الشرق والغرب، بعضها على حق مثل نهضة مصر وكثير منها على باطل.
وفي أوروبا تقدم رجال ظنوا في أنفسهم قوة الحكم المطلق المفرد فبدأ عهد الديكتاتوريات الحديث، فظهر بنجالوس في اليونان وبريمو دي ريڤيرا في إسبانيا وموسوليني في إيطاليا، وأشباه لهم في بولونيا ويوجوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، واستبد بعض القواد في الصين وفي بلاد العرب، وبالجملة تزعزعت ثقة الأمم بالحياة الدستورية وظهر عجز حكم الجماعة المنتخبة، وأعلن بعض المفكرين إفلاس النظم النيابية، إما لمآرب شخصية وإما لاعتقادهم بنية حسنة. غير أن مما يجدر بالنظر أن هؤلاء المستبدين «من طراز 1920» لم يتخلوا عن المجالس النيابية ولم يلغوا الدساتير وهي حقوق الشعوب المكتسبة، إنما أبقوا عليها وأبقوا على زمامها في أيديهم، فكان مثلهم كمثل مروض الوحوش الكاسرة والحيوانات المفترسة يقنصها ويغذيها وهي سجينة.
ونحن نكتب تلك الكلمة نكاد نسمع صدى أصوات الحرب في منشوريا بين الصين واليابان، وتوشك الحرب أن تعلن في أوروبا من جراء استفحال الأزمة المالية التي ضيقت الخناق على العالم، والمعركة حامية بين ألمانيا وفرنسا وأمريكا وإنجلترا، ويصح أن يقال اليوم: «إن الحرب على الأبواب!»
وأنصار السلم أنفسهم يزعمون أن الاستعداد للحرب يقضي على شبح الحرب، ولورد لويد الذي كان سفير إنجلترا في مصر وعزلته حكومة العمال إن صدقا وإن كذبا، والله أعلم بالسرائر؛ ينصح اليوم لأمته بالتسلح، ويبذل قصارى جهده في إقناع بريطانيا بالاستعداد للحرب.
Unknown page