دفعت الأجواء في دار البلدية في تلك الأيام الكثيرين - وليس أنا فقط - إلى تلك الحالة. فكانت جدران العداوة التقليدية بين الصبية والفتيات تتشقق في مئات الأماكن، فلم يكن من الممكن الإبقاء عليها، أو حيثما كان على تلك الجدران أن تبقى، فقد بقيت مستترة خلف غلاف من المزاح، وتيارات خفية مرتبكة من الود.
في طريق العودة من المدرسة كنت أنا وناعومي نأكل قوالب حلوى الطوفي السكرية - التي كانت تباع بخمسة سنتات - والتي كان قضمها عسيرا في ذاك الجو البارد ومضغها لا يقل صعوبة، وكنا نتحدث بحذر وأفواهنا ممتلئة بالحلوى. «إن لم يكن شريكك جيري ستوري، من كنت ستختارين ليكون شريكك؟» «لا أدري.» «موري؟ أم جورج؟ أم دايل؟»
هززت رأسي بحزم وأنا أمتص بصوت عال لعابي المشبع بطعم الطوفي.
قالت ناعومي بلهجة شيطانية: «فرانك ويلز.»
وتابعت: «قولي نعم أو لا، هيا، سأخبرك من أحب أن يكون شريكي لو كنت مكانك.»
قلت بصوت حذر مستسلم: «لم أكن لأعترض عليه، أقصد فرانك ويلز.» «أنا لم أكن لأعترض على دايل ماكلوفلين.» قالتها ناعومي بتحد وبصورة مدهشة إلى حد ما، لقد استطاعت أن تكتم سرها خيرا مني. أمالت رأسها فوق كومة من الجليد تقطر ماء، وأخذت قضمة من قالب الطوفي ثم قالت في النهاية: «أعرف، لا بد أنني مجنونة، إنه يروقني حقا.»
فقلت بنبرة اعتراف تام: «وأنا يروقني فرانك ويلز حقا، لا بد أنني أنا أيضا مجنونة.»
بعدها صرنا نتحدث طوال الوقت عن هذين الولدين، أطلقنا عليهما الاختصار ج. ق، وهو اختصار «الجاذبية القاتلة». «ها هو ج. ق قادم، حاولي ألا تفقدي وعيك.» «لماذا لا تعطين ج. ق دهان نوكسيما لعلاج الحبوب ؟ أف !» «أظن أن ج. ق كان ينظر إليك لكن من الصعب التأكد من ذلك مع عينه الحولاء.»
وهكذا طورنا شفرة بيننا تتكون من رفع الحواجب، وهز الأصابع على الصدر، وكلام بدون صوت مثل «بانج أوه بانج» (والتي نستخدمها عندما نقف إلى جوارهم على خشبة المسرح)، و«غضب»، و«غضب مضاعف» (عندما يتحدث دايل ماكلوفلين مع آلما كودي ويطرقع إصبعي الإبهام والوسطى على عنقها)، و«نشوة» (عندما يدغدغ ناعومي تحت ذراعها ويقول: «ابتعدي عن طريقي يا كرة الزبدة»!)
أرادت ناعومي أن تتحدث عن الواقعة التي حدثت في مرأب الدراجات، عن الفتاة التي ضاجعها دايل ماكلوفلين، وهي فايوليت تومز المريضة بالربو، والتي رحلت عن المدينة. «خيرا أنها رحلت؛ لقد جلبت على نفسها الخزي هنا.» «لم تكن غلطتها بالكامل.» «بل هي غلطتها، إنها دائما غلطة الفتاة.» «كيف تكون غلطتها إذا كان قد أمسكها عنوة؟»
Unknown page