في الصباح، لففت حول المنزل لأرى أزهار الفاونيا المكسورة وبقعة دم صغيرة على الأرض. نعم، دم جاف على الأرض. شعرت بحاجة ملحة لأن أخبر أحدا بالأمر، فقلت لأمي: «هناك دماء على الأرض بجانب المنزل.» «دماء؟» «رأيت بالأمس قطا يمزق أوصال طير، كان قطا ذكرا كبيرا مخططا، لا أدري من أين جاء.» «يا للحيوانات الشريرة!» «تعالي لتري الدماء.» «ماذا؟ لدي أمور أهم من هذا؟» •••
في ذلك اليوم بدأنا الاختبارات؛ أنا وجيري، وموري هيل وجورج كلاين - اللذان سيصير أولهما طبيب أسنان والثاني مهندسا - وجون جانيت التي اشترط عليها والدها أن تنتهي من الدراسة الثانوية المؤهلة للالتحاق بالجامعة كي تتزوج ذلك الفتى الماجن ذا الصدر الغائر الذي يعمل في بنك التجارة. وكانت هناك أيضا فتاتان من الريف هما بياترس وماري، وكانتا تخططان لأن ترتادا كلية المعلمين.
فتح الناظر ختم المظروف أمام أعيننا ووقعنا على تعهد بأن هذا الختم لم يفض من قبل. كنا بمفردنا في المدرسة الثانوية؛ فكل طلاب الصفوف الأصغر كانوا في العطلة الصيفية، وبدت أصداء أصواتنا ووقع أقدامنا ضخمة في طرقات المدرسة. كان مبنى المدرسة حارا تفوح منه رائحة الطلاء، والفراشون قد أخرجوا جميع المقاعد من أحد الفصول وكوموها في الممر لأنهم كانوا يلمعون الأرضية.
لكنني كنت أشعر أنني بعيدة عن كل هذا. كان الاختبار الأول في الأدب الإنجليزي فبدأت أكتب عن قصيدتي «الرجل السعيد» و«الرجل الحزين» لجون ميلتون، كنت أفهم الأسئلة جيدا، لكن ولسبب ما لم أستطع الوثوق بأنها تعني هذا حقا، فقد بدت لي سخيفة غير مباشرة مشئومة كجملة في حلم. أخذت أكتب ببطء وبين الحين والآخر كنت أتوقف لأحك جبهتي وأطقطق أصابعي وأحاول أن أستشعر حرج الموقف، لكن دون جدوى لم أستطع أن أسرع أكثر من هذا. أنهيت الامتحان بأكمله لكن لم أجد وقتا ولا طاقة ولا رغبة في أن أراجع ما كتبت. شككت أنني أغفلت جزءا من أحد الأسئلة، لكنني تعمدت ألا أنظر إلى ورقة الأسئلة لأتحقق مما إذا كان هذا صحيحا.
كان يغمرني شعور متوهج بالأهمية والعظمة الجسدية. صرت أمشي بتلكؤ أبالغ في إظهار أنني لا أشعر بالارتياح. وكنت أستعيد مرارا وتكرارا شكل وجه جارنيت في عناء مجهوده الشديد وفي لحظة انتصاره المظفر قبل أن يسقط كلانا على الأرض. وقد جعلني الإحساس بأني كنت مصدر ألم ثم ارتياح بهذا الشكل لشخص ما؛ معجبة بنفسي.
كانت بياتريس - إحدى الفتاتين اللتين أتتا من القرية - قد جاءت بسيارة عائلتها؛ لأن حافلات المدرسة لم تعد تعمل. وطلبت مني أن نشرب سويا الكوكاكولا في محل - كان دكان حدادة أعيد طلاؤه وتهيئته - افتتح على الطريق حيث تجري خدمة الزبائن في سياراتهم في الطرف الجنوبي من المدينة. لم تطلب مني هذا إلا لأنها كانت تريد أن تعرف كيف كانت إجاباتي في الاختبار. كانت فتاة ضخمة مجتهدة، وكانت ترتدي فساتين من قماش الجوخ أزرارها من الأمام. كنت أنا وناعومي نضحك عليها في الماضي؛ لأنها كانت تأتي إلى المدرسة في الشتاء بمعطف مزين بشعر الخيل الأبيض.
سألتني: «بم أجبت هذا السؤال؟» ثم أخذت تقرأ ببطء: كان الرجال الإنجليز في القرن الثامن عشر يقدرون قيمة الرسميات والاستقرار الاجتماعي. ناقش مع الإشارة إلى إحدى قصائد القرن الثامن عشر.
كنت أنا وقتها أفكر في أنني إذا ما خرجت من السيارة ومشيت إلى نهاية هذه المساحة المفروشة بالحصى حيث كنا نوقف السيارة ، فسأجد نفسي عند الشارع الذي يقع خلف ساحة مخزن الأخشاب. كان العاملون في ساحة مخزن الأخشاب يركنون سياراتهم في هذا الشارع، فإذا مشيت إلى هناك ووقفت في منتصف الشارع سأستطيع رؤية السياج الخلفي والمدخل وسطح السقيفة الطويلة المفتوحة وقمة كومة كبيرة من الأخشاب. كان في المدينة بعض الأماكن التي تعتبر أماكن بارزة؛ مثل مخزن الأخشاب والكنيسة المعمدانية ومحطة الخدمات التي يحضر جارنيت منها الوقود ومحل الحلاقة الذي يقص فيه شعره ومنازل أصدقائه، وبين هذه الأماكن كانت الشوارع التي اعتاد أن يقود شاحنته بها، كلها بدت في ذهني كأسلاك مشعة.
كنا قد انتهينا من المراحل الأولية الجميلة التي كنا لا نزال نتلمس بها طريقنا إلى علاقة كاملة، وتلك المداعبات في الشاحنة تحت قطرات المطر. منذ ذلك الوقت، كنا نمارس علاقة جنسية كاملة؛ فمارسنا الحب على مقعد الشاحنة وبابها مفتوح، وتحت الشجيرات وعلى الأعشاب في الليل. لقد تغير الكثير. في البداية، كنت أشعر بأنني مخدرة ويغمرني إحساس بأهمية ما نفعل، واسمه، والتفكير فيه. ثم اختبرت ذروة النشوة الجنسية، والتي عرفت اسمها مما قرأته في كتاب والدة ناعومي، وعرفت إحساسها لأنني جربت تلك الانقباضات بنفسي في الماضي مع كثير من العشاق الخياليين المتلهفين المتعطشين. لكنني اندهشت من المرور بها في صحبة أحد، فقد بدت شيئا خاصا للغاية، شيئا فرديا نجده في أعماق الحب. وهكذا، سرعان ما أصبح هذا هو ما يجب أن نصل إليه، ولم أستطع أن أتخيل كيف كنا نتوقف قبل الوصول إلى هذه المرحلة. لقد انتقلنا إلى مستوى آخر، مستوى أكثر تماسكا أقل إعجازا حيث يجب الإقرار بالسبب والنتيجة، وحيث بدأ الحب يتدفق بنمط متعمد.
لم نتبادل أية كلمة قط بهذا الشأن.
Unknown page