179

تلك جملة الأسباب، أو مجمل الأسباب، التي باعدت بين أدب الرافعي وبين الجمهور من ناشئة المتأدبين، ما بد من النظر فيها والبحث عن علاجها حين نهم بأن نجدد دعوة الرافعي وننشر رسالته إن كان ثمة يقين بأن أدب الرافعي حقيق بالخلود، وإن اليقين به ليعمر قلب كل أديب يؤمن بأن الدين واللغة هما أول المقومات لقوميتنا العربية المسلمة. ... ذلك شيء ... أما آثار الرافعي فإن كل ما في يد العربية منها هو صدى كلمات وعنوانات كتب، أما حقيقتها ومعناها فقد انفرط الجيل الذي درسها أو كاد؛ فلم يبق للجيل الناشئ منها غير عنوان، فليسأل كل أديب نفسه: ماذا قرأ من كتب الرافعي وماذا حصل وماذا أفاد؟

إنها لمكتبة حافلة جديرة بأن تنشئ مدرسة جامعة لمن يريد أن يتزود من العربية زادا مريئا وغذاء شهيا، ليكون أديبا له لسان وله بيان وله منزلته الأدبية في غد ...

إني لأكاد أوقن أن تسعين من كل مائة من القراء لا يعرفون من هذه الكتب إلا أسماءها، وإن منهم لمن يتوهم أن من حقه أن يتحدث عن الأدب ويؤرخ لأدباء الجيل.

وما عيب على من لم يقرأها أنه لم يقرأها، ولكن العيب كل العيب علينا عامة نحن المشتغلين بالأدب أن يكون كل وفائنا لمن يموت من أدباء العربية أن نقول: كان وكان ويرحمه الله.

لقد أدى الرجل واجبه ما استطاع، وبقي علينا فرض واجب الوفاء. •••

لقد أورثني الرافعي بعض تبعاته، وإني لأحس بثقلها على عاتقي أكثر مما أحس بحاجتي إلى التحدث عن ماضيه.

لقد عاش الرافعي حياته يجاهد لأمته ما لم يجاهده أديب في العربية منذ قرون، وقضى حياته يلقى من العقوق ونكران الجميل ما لم يلق أديب في العربية منذ كانت العربية، ومات فما كان حظه منا في أخراه أحسن منه في دنياه، فهل لي أن أؤمل أن تتنبه الأمة والحكومة إلى ما ينبغي أن يكون؛ وفاء لهذا الراحل الكريم؟

ليس يكفي أن يكون كل وفائنا للرافعي حفلة لتأبينه وبضع كلمات لرثائه، ولكن الوفاء حق الوفاء أن نعمل على تخليد ذكراه، بتخليد أدبه، وتجديد دعوته، وإبقاء ذكره، ونشر رسالته، فليكن هذا الذي أنشأته عن «حياة الرافعي» أولا له ما بعده، لنفكر في الوسائل النافعة التي تجدي على الأدب والعربية أكثر مما تجدي رسائل التأبين وكلمات الترحم والاسترجاع!

أما هو فقد انطوى تاريخه على هذه الأرض، فلن يجدي عليه شيئا ما نفعل وما نقول، ولكن ما نفعله وما نفكر فيه إنما هو لخيرنا وجدواه علينا، فلنفكر في أنفسنا وفي ذواتنا وفيما يعود علينا وعلى العربية من تجديد ذكرى الرافعي، إن كان يعز علينا أن نعمل أو أن نفكر إلا فيما تكون منفعته إلينا ولنا من ثمراته نصيب! •••

أما بعد؛ فهذه «حياة الرافعي» مبسوطة لمن يريد أن يدرس، وأنا لم أجهد جهدي في جمعها وترتيبها لكي أقول ويقول الناس: كان وكان من أمره وحسب؛ فما في ذلك كبير فائدة، ولكني أنشأت هذه الفصول؛ لتكون تمهيدا لدراسة الرافعي في أدبه وفنه ومذهبه، فما أسميها كتابا، ولكنها مقدمة تتلوها فصول وكتب إن شاء الله، وهذا كتاب «حياة الرافعي» اليوم في سوق الأدب، فما يكون عنوان الكتاب التالي عن الرافعي ومتى يطالع القراء؟

Unknown page