وكان الرافعي يعتد بصداقته ويقر له ويعجب بدينه وتقواه ويتوقع له مستقبلا مجيدا بين المجاهدين من أهل الأدب ودعاة الإسلام.
فلما بلغ الرافعي نبأ شروعه في الانتحار جزع وتطير وضاقت نفسه، وناله من الهم ما لم ينله لحادثة مما لقي من دنياه، فمن أجل هذه الحادثة أنشأ مقالات «الانتحار».
ولم يكن الرافعي يعلم من أحوال صاحبنا ما دفعه إلى هذه المحاولة الطائشة، فأخذ يتكهن وينتحل الأسباب ليبني عليها الحديث والقصة، فما جاء جواب الأستاذ «م» إلا بعد المقالة الثالثة، فأخذ من هذا الجواب مادة الجزء الرابع من هذه المقالات، وجعل الحديث في هذا الجزء على لسان «أبي محمد البصري» وهو يعني به الأستاذ «م» فهو هو، وكلامه كلامه في جملته ومعناه، لم يغير منه الرافعي إلا قليلا من قليل، فما يدل على حالة صاحبنا إلا المقالة الرابعة من هذه المقالات الست، أما ما عداها مما سبق أو لحق، فهي قصص مفتعلة من وحي هذه الحادثة في نفسه.
ومقالات الرافعي في «الانتحار» هي باب من الأدب لم ينسج على منواله في العربية فيها فن القصصي، وفيها روح المؤمن الذي لم تفتنه دنياه عن ربه، وفيها إلى ذلك شعر وفلسفة وحكمة، وقلب رجل يعيش في حقيقة الحياة. •••
وكان بين الرافعي والأديب حسن مظهر محرر اللطائف المصورة مودة، فلما تولى تحرير اللطائف كتب إلى الرافعي يرجوه أن يكتب فصلا لقراء اللطائف عن «سحر المرأة» فكتب فصلا بديعا يصف فيه نفسه وصاحبته «فلانة» في أول لقاء بينهما.
فلما فرغ من مقالات «الانتحار» تناول هذا الفصل فزاد فيه ما زاد وبعث به إلى الرسالة بعنوان «ورقة ورد»؛ لأنه سار فيه على نهج كتابه المعروف «أوراق الورد»، فهذا الفصل عنده هو من تمام هذا الكتاب. •••
وكان من زملاء الرافعي في محكمة طنطا الأديب فؤاد ... وهو شاب له ولوع بالأدب، وعلى أنه زوج وأب، فإنه كان بأناقته ولباقته مرعى أنظار كثير من الفتيات، وكان له في الغرام جولان ...
ثم فاء إلى نفسه بعد حين، فانصرف عن اللهو والغزل إلى شئون أسرته وولده، وراح ينشر بعض مغامراته الغرامية في إحدى الصحف الصغيرة التي تصدر في طنطا ...
وقرأ الرافعي بعض ما ينشر صاحبنا، فرأى «علما جديدا» لم يدخل إليه من باب ولم يقرأه في كتاب، فأرسل يستدعي صاحب هذه المقالات إليه؛ ليفيد علما من علمه وتجاربه ...
وجلس صاحبنا يتحدث إلى الرافعي ويقص عليه، والرافعي صاغ إليه ملذوذ بما يسمع، فما انتهى صاحبنا من حديثه حتى كان على موعد مع الرافعي أن يحضر له طائفة من مذكراته ورسائل صواحبه؛ لعله يجد فيها موضوعا يكتبه لقراء الرسالة.
Unknown page