وماذا يبقى بعد الطبع مما يحتاج إلى التدبير والاستعداد؟
لا شيء!
فالتحرير مضمون بغير كلفة؛ لأنني محرر الصحيفة الوحيد ...
والتوزيع مضمون لا خوف عليه، وكيف لا يكون مضمونا وهؤلاء قراؤنا يتهافتون على اقتناء الطبعة الأولى، ويستنفدون منها مائتين في يوم أو يومين؟ •••
ومن البديهي أنني لا أصدر الصحيفة وأنا موظف بالحكومة ... ولا أطبعها، من ثم، في الزقازيق حيث طبعت القصيدة.
إلا أنها عقبة هينة لا يصعب علينا تذليلها، فليس أهون من الانتقال إلى القاهرة بعد الاستقالة من الوظيفة ، وليس أبناء القاهرة بأقل من أبناء الزقازيق إقبالا على قراءة المنظوم والمنثور ... وكنت أذهب إلى القاهرة مرة في كل أسبوع أو أسبوعين، أشهد التمثيل في مسرح الشيخ سلامة حجازي، وأزور حي الأزهر باحثا عن الكتب الأدبية القديمة بثمن رخيص ...
فذهبت إلى القاهرة، وأحببت أن أحقق وأدقق، وأستوفي المعلومات اللازمة قبل الشروع في العمل ... ووقع اختياري - لاستقصاء البحث في المسألة - على صاحب مكتبة عتيقة عظيم الخبرة بالمطبوعات القديمة والحديثة، كثير الاتصال بالصحفيين والأدباء، تعودت أن أشتري منه ما أجده عنده، وأن أوصيه باستحضار الكتب النادرة من الطبعات المرجوعة.
والواقع أن «الاستقصاء» الذي عولت عليه لم يكن ليعوقني عن المضي فيما نويت، وإنما هو مسألة شكلية على حكم العادة في الاستشارة والاستخارة ... وليقل صاحبنا ما يقول، فإنني أعددت الصحيفة كتابة وتقسيما وتبويبا وتسمية وإخطارا للحكومة، ولم يبق من معداتها شيء غير الطبع والتوزيع ... •••
وكنت أتردد بين اسمين: اسم «البيرق» واسم «رجع الصدى»، ولا أحسبني يومئذ قصدت الفرق بين الاسمين، وعنيت ما فيه من الدلالة على الصحيفة التي تقود الآراء، ويلتف بها الشعراء كما يلتفون بالبيرق، أو عنيت ما فيه من الدلالة على الصحيفة التي تردد أصداء الآراء، ولا تزيد على عرض الحوادث والأنباء.
لا أحسبني قصدت إلى هذه التفرقة، ولكنني انتهيت على غير قصد مني إلى تفضيل اسم «رجع الصدى» على اسم «البيرق» ... وكتبت العنوان بخطي؛ ليخرجه الحفار كما كتبته، بدعة من بدع التجديد في العناوين!
Unknown page