113

ثم زارني يوما بعد طول القطيعة، وهو يقول لي: لقد مررت بدارك وأنا في مصر الجديدة، فحمدت هذه الفرصة وقلت لنفسي: فلنزره إن كان هو لا يزورنا ... فما رأيك؟

قلت: إنه فضل لك سبقتني به، وعلي أن أشاركك فيه ...

وزرته في دار البلاغ بعد يوم أو يومين، فإذا بالهلباوي بك هناك ...

فكدت أهم بالرجوع ...

بيد أن الهلباوي كعادته هجام لا يتردد، فجذب يدي وبدأني بالحديث.

ولقد خطر لي في تلك اللحظة أن واقعتي معه آخر ما يذكره في تلك المقابلة، ولكنها على عكس ذلك كانت أول ما ذكره وأسهب فيه، وجعل يقول وهو يضحك: «كنت والله يا رجل أحب أن يكتب الله لي ثواب إخراجك من تلك الجماعة ... ولكنه فاتني، وأراك خارجا منها على التسعين ...!»

وبعد حديث متشعب دعاني والأستاذ عبد القادر إلى قضاء سهرة في منزله ... فاعتذرت، وخرج معي حين انصرفت حتى افترقنا عند دار محمد محمود (باشا) رحمه الله ...

ويظهر أن رغبته في زيارتي له بقيت تساوره زمنا حتى صدرت صحيفة «روز اليوسف» اليومية وواليت الكتابة فيها، فدعانا جميعا إلى قضاء السهرة عنده، وذهبنا إليه مع السيدة روز اليوسف والدكتور محمود عزمي، وكانت في الحق من أمتع السهرات؛ لأن الرجل محدث ظريف لا يمله المستمع إليه ...

ولقد كانت أحاديثه في تلك الليلة أكثر من أن تذكر ... إلا أنني أذكر من طرائف السهرة أن السيدة روز اليوسف كانت تخاطب قرينته وهي تظن أنها زوجة ابنه، لبعد الفارق بينها وبين زوجها في السن ... ولم تزل على ظنها حتى نبهها إلى خطئها بنكتة من نكاته التي تناسب المقام!

نابغة من نوابغ عصره لا مراء ... كان يسلم من كثير مما يؤخذ عليه لولا تلك الحيوية التي أقلقته، وباعدت بينه وبين الصبر والاستقرار.

Unknown page