ورأى العباس بن عبد المطلب من جيوش ابن أخيه ومن قوته ما راعه وأزعجه. وهو إن كان أسلم فإن ذلك لم يخل قلبه من خشية ما يحل بمكة إذا دهمها هذا الجيش الذي لا قبل لقوة في بلاد العرب به. أوليس قد ترك مكة منذ حين، وله بها من الأهل والخلان والأصدقاء من لم يقطع الإسلام الذي دان به من وشائجهم؟! ولعله أفضى بمخاوفه هذه إلى الرسول وسأله؛ ماذا يصنع إذا ما طلبت قريش أمانه؟ ولعل ابن أخيه سر بمفاتحة العباس إياه في هذا، ورجا أن يتخذ منه سفيرا يلقي في قلوب القوم من قريش الرعب فيدخل مكة من غير أن يسفك دما، وتظل مكة حراما كما كانت وكما يجب أن تكون. وجلس العباس على بغلة النبي البيضاء وخرج عليها حتى جاء ناحية الأراك، لعله يجد حطابا أو صاحب لبن أو أي إنسان ذاهبا إلى مكة، يحمله إلى أهلها رسالة بقوة المسلمين وبأس جيوشهم، حتى يخرجوا إلى رسول الله فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة. وكانت قريش قد بدأت، منذ نزل المسلمون مر الظهران، تشعر بأن خطرا يقترب منها؛ فأرسلت أبا سفيان بن حرب، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام قريب خديجة، يتنطسون الأخبار، ويستطلعون مبلغ الخطر الذي تحس قلوبها. وإن العباس ليسير على بغلة النبي البيضاء إذ سمع حديثا بين أبي سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء كذلك يجري:
أبو سفيان :
ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
بديل :
هذه والله خزاعة حمشتها الحرب.
أبو سفيان :
خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وعرف العباس صوت أبي سفيان، فناداه بكنيته قائلا: أبا حنظلة! وأجاب أبو سفيان بدوره: أبا الفضل. قال العباس: ويحك يا أبا سفيان؟ هذا رسول الله في الناس. وا صباح قريش إذا دخل مكة عنوة! قال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ فأركبه العباس في عجز البغلة ورد صاحبيه إلى مكة وسار به. والناس إذا رأوا البغلة عرفوها وتركوها تمر بمن عليها بين عشرة آلاف أوقدوا نيرانهم لتلقي الرعب في قلب مكة وأهلها. فلما مرت بنار عمر بن الخطاب ورآها عرف أبا سفيان وأدرك أن العباس يريد أن يجيره، فأسرع إلى خيمة النبي وطلب إليه أن يضرب عنقه. قال العباس: إني يا رسول الله قد أجرته. إزاء هذا الموقف في تلك الساعة من الليل، وبعد مناقشة لا تخلو من حدة بين العباس وعمر قال محمد: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به. فلما كان الصباح، وجيء بأبي سفيان في حضرة النبي وبمسمع من كبراء المهاجرين والأنصار، جرى الحوار الآتي:
النبي :
ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟!
Unknown page