وهناك بصر بكتيبة لا يعرف أهلها، فسأل عنها فقيل: هؤلاء حلفاء ابن أبي من يهود. قال عليه السلام: لا يستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك ما لم يسلموا، فانصرف اليهود عائدين إلى المدينة. إذ ذاك جعل حلفاء ابن أبي يقولون له: لقد نصحته وأشرت عليه برأي من مضى من آبائك فكان رأيه مع رأيك، ثم أبى أن يقبله وأطاع الغلمان الذين معه. وصادف حديثهم هوى من نفس ابن أبي؛ فلما أصبحوا انخذل مع كتيبة من أصحابه. وبقي النبي ومعه المؤمنون حقا وعدتهم سبعمائة، ليقاتلوا ثلاثة آلاف قرشي من أهل مكة كلهم موتور من يوم بدر، وكلهم على ثأره حريص.
وسار المسلمون مع الصبح حتى بلغوا أحدا، فاجتازوا مسالكه وجعلوه إلى ظهورهم. وجعل محمد يصف أصحابه، وقد وضع منهم خمسين من الرماة على شعب في الجبل وقال لهم: «احموا لنا ظهورنا فإنا نخاف أن يجيئونا من ورائنا. والزموا مكانكم لا تبرحوا منه. وإن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم. وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا. وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل؛ فإن الخيل لا تقدم على النبل.» ثم نهى غير الرماة أن يقاتل أحد حتى يأمر هو بالقتال.
فأما قريش فصفت صفوفها، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ودفعت اللواء إلى عبد العزى طلحة بن أبي طلحة. وجعلت نساء قريش يمشين خلال صفوفها يضربن بالدفوف والطبول، فيكن تارة في مقدمة الصفوف وتارة في مؤخرتها، وعلى رأسهن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وهن يقلن:
ويها بني عبد الدار
ويها حماة الأدبار
ضربا بكل بتار
ويقلن:
إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
Unknown page