Al-Ḥāwī liʾl-fatāwī
الحاوي للفتاوي
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
1424 AH
Publisher Location
بيروت
فِي الْحَجِّ لِلْمَغْصُوبِ، وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ لِمَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَحَصَلَ لَهُ عُذْرٌ أَيَّامَ الرَّمْيِ، وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النووي وَوَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْهُ فِي قَوْلٍ حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ فِي وَجْهٍ حَكَاهُ.
فَصْلٌ: ذَكَرَ الْحَافِظُ عماد الدين بن كثير فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ محي الدين النووي أَنَّهُ بَاشَرَ تَدْرِيسَ الْإِقْبَالِيَّةِ نِيَابَةً عَنِ ابن خلكان، وَكَذَلِكَ الْفَلَكِيَّةُ وَالرُّكْنِيَّةُ، وَهَذَا مِنَ النووي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ.
فَصْلٌ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُفْتُونَ النَّاسَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْإِفْتَاءُ بِالْأَصَالَةِ إِنَّمَا هُوَ مَنْصِبُ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِأَنَّهُ الْمَبْعُوثُ لِتَبْلِيغِ النَّاسِ وَتَعْلِيمِهِمْ، وَإِفْتَاءُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ وَفَاتِهِ إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ عَنْهُ، فَإِفْتَاؤُهُمْ فِي حَيَاتِهِ بِإِذْنِهِ اسْتِنَابَةٌ مِنْهُ لَهُمْ؛ لِيَقُومُوا عَنْهُ بِمَا هُوَ مَنْصِبٌ لَهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ، وَقَدْ عَقَدَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ بَابًا فِي ذِكْرِ مَنْ كَانَ يُفْتِي بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْرَجَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ مَنْ كَانَ يُفْتِي النَّاسَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أبو بكر وعمر، وَأَخْرَجَ عَنِ القاسم بن محمد قَالَ: كَانَ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أبي عبد الله بن نيار الأسلمي قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِمَّنْ يُفْتِي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُفْتِي النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَخْرَجَ عَنْ سهل بن أبي حثمة قَالَ: كَانَ الَّذِينَ يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: عمر، وعثمان، وعلي، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ ثَمَانِيَةٌ كَانُوا يُفْتُونَ وَالنَّبِيُّ ﷺ حَيٌّ، وَقَدْ جَمَعْتُهُمْ فِي بَيْتَيْنِ فَقُلْتُ:
وَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ جَمَاعَةٌ ... يَقُومُونَ بِالْإِفْتَاءِ قَوْمَةَ قَانِتِ
فَأَرْبَعَةٌ أَهْلُ الْخِلَافَةِ مَعَهُمْ ... معاذ أبي وابن عوف ابن ثابت
فَصْلٌ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي زَوَائِدِ مُسْنَدِ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " «لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةَ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ أبا بكر لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ لِي: أَدْرِكْ أبا بكر فَحَيْثُ مَا لَقِيتَهُ فَخُذِ الْكِتَابَ مِنْهُ فَاقْرَأْهُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَلَحِقْتُهُ فَأَخَذْتُ الْكِتَابَ مِنْهُ وَرَجَعَ أبو بكر فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: " لَا وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَنِي فَقَالَ لِي: لَنْ يُؤَدِّيَ عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ
1 / 190