بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
تابع لسنة 626ه
أحد خدم الخليفة إلى المارستان العضدي ومعهم عبد العزيز ابن القبيطي، واعتبرت الحوائج التي في المخرن فسأل صاحب المخزن خازن المارستان والطبيب والقوام كم تكفي هذه الحوائج مرضى المارستان، فاتفقوا علي أن تكفيهم سنة، فقال قد أنهى ابن القبيطي أن المارستان خال من الحوائج وأنه يشتري ما يحتاج إليه المرضى ثم أمر به فصفع إلى أن وقع الى الأرض وتقدم بحمله الى حجرة المجانين فحبس بها مسلسلا وأفرج عنه بعد شهر.
وفي غرة رجب المبارك فرقت الرسوم بالبدرية وفتح الرباط المستجد بدار الروم الذي أنشأه الخليفة المستنصر بالله مجاور المسجد ذي المنارة الذ أمر بعمارته وأسكنه جماعة من الصوفية وجعل شيخهم الشيخ أبا نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر وخلع عليه وعلى الجماعة وعملت به الدعوة.
وفيه استدعي شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني مدرس النظامية إلى دار الوزارة فأخذ وهو على السدة يذكر الدروس وعزل وتوجه إلى داره بغير طرحه، ورتب عوضه عماد الدين أبو بكر محمد بن يحيى السلامي المعروف بابن الحبير وخلع عليه وأقره على تدريسه بمدرسة فخر الدولة ابن المطلب يعقد المصطنع وعلى المدرسة الاسبهبذية بين الدربين.
وفيه أحضر أبو القاسم علي ابن البوري إلى باب النوبي وضرب مائة عصا وقطع لسانه وحمل إلى حبس المدائن وكان شابا حسن الصورة تام الخلقة جميلا نقل عنه ما اقتضت السياسة أن يعمل به ذلك، نعوذ بالله من طوارق الليل والنهار.
وفي شعبان تكامل بناء المسجد المستجد المعروف بقمرية بالجانب الغربي على شاطىء دجلة المقابل للرباط البسطامي ونقل إليه الفرش والآلات وقناديل الذهب والفضة والشموع وغير ذلك، وفتح في شهر رمضان ورتب فيه مصليا الشيخ عبد الصمد ابن أحمد بن أبي الجيش وأثبت فيه ثلاثون صبيا يتلقنون القرآن عليه. ورتب فيه معيد يحفظهم التلاقين ورتب أيضا فيه الشيخ حسن بن الزبيدي محدثا يقرأ عليه الحديث النبوي في كل يوم اثنين وخميس. ورتب أيضا قارىء للحديث وجعل في المسجد خزانة للكتب وحمل إليها كتب كثيرة، وفيها نفذ فخر الدين أبو طالب أحمد بن الدامغائي والشيخ أبو البركات عبد الرحمن بن شيخ الشيوخ والأمير فلك الدين محمد بن سنقر الطويل الى جلال الدين منكوبري بن خوارز مشاه محمد بن تكش مع رسول كان وصل منه وهو يومئذ على خلاط محاصرا لها ونفذ له معهم تشريفات وكراع ولباس الفتوة. ووكل فخر الدين بن الدامغار في فتوته من الخليفة المستنصر بالله والشيخ أبو البركات نقيب الفتوة وكان ذلك بموجب سؤاله.
وفي غرة ذي القعدة خلع على الأمير شمس الدين أصلانتكين وأخرج نائبا عن أمير الحاج فورد الخبر الى بغداد أن قوما من عرب البطنين خرجوا على الحاج وعدلوا بهم عن الطريق المسلوكة في كل سنة وطلبوا منهم خفارة واختطفوا من أطرافهم وأسفرت الحال الى تقرير أثني عشر ألف دينار تسلم إليهم وينصرفون عنهم فصححت لهم نفقات السبل ومال المخزن المعد للصدقة من غير الزام أحد من الحاج بشيء وانفصلوا عنهم فتقدم الخليفة بالتعيين على الأمير جمال الدين قشتمر وأن يخرج معه خمسة الآف فارس ويقصد الاعراب المذكورين فتوجه في ثاني عشر ذي الحجة فلما وصل الكوفة عين على جماعة نفذهم طلائع فلما وصل لينة عاد منهم من أخبره أن مددهم من الثعلبة الى زرود وهم يرقبون وصل الحاج فرحل من لينة على غير الطريق المسلوك فوصل من الطوالع من أخبره أن بينه وبين العرب نحو مرحلتين وهم نزول بالحضرا والثعلبية فجعل امراء العسكر ومشايخ العرب وعين لهم وقت اللقاء ثم ركب وسار ليلته أجمع حتى وصل إليهم فاقتتلوا أشد قتال فانهزمت العرب وقتل منهم خلق كثير فاحتوى العسكر على أموالهم دون أولادهم ونسائهم وأقاموا بالموضع المذكور إلى أن وصل الحاج الثعلبية واجتمعوا بهم واصطحبوا راجعين إلى بغداد.
Page 1
وفيها عزل محيي الدين يوسف ابن الجوزي عن النظر بخزانة الغلات بباب المراتب ورتب عوضه كمال الدين عبد الرحمن بن ياسين ثم عزل أيضا عن ديوان الجوالي ورتب عوضه محي الدين محمد بن فضلان وتقدم إليه باعتماد الشرع المطهر في أخذ الجزية من أهل الذمة فزاد على من عليه دون الدينار لأنه لا يجوز في مذهب الشافعي رضي الله عنه أن يؤخذ من أحد أقل من دينار إذا كان فقيرا وأن كان متوسطا أخذ منه ديناران وأن كان غنيا أخذ منه أربعة دنانير، لايجوز أن ينقص أحد من أهل هذه الطبقات الثلاث عن هذه المقادير اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه جعل أهل السواد ثلاث طبقات على ما تقدم شرحه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لما بعث معاذا الى اليمن قاضيا أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا وفي رواية ومن الغني أربعة دنانير ومن المتوسط دينارين ولا تقدير لاكثر الجزية فإنه لو طالب الامام أو نائبه أضعاف ذلك جاز حتى لو امتنعوا من اداء الزيادة كانوا ناقضين للعهد، وفيها توفى يعقوب بن صابر الحراني الأصل البغدادي المولد المنجنيقي. كان شيخا فاضلا مقدما على أهل صناعته وعنده أدب ويقول الشعر فمن شعره:
هل لمن يرتجي البقاء خلود ... وسوى الله كل حي يبيد
والذي كان من تراب وأن عا ... ش طويلا الى التراب يعود
ومصير الانام طرا الى ما ... صار فيه آباؤهم والجدود
منها:
أين حواء أين آدم اذ فا تهما الخلد والثوى والخلود
أين عاد بل أين جنة عاد ... ارم ابن صالح وثمود
وهي طويلة، آخرها:
لا الشقي الغوي من نوب الأ ... يام ينجو ولا السعيد الرشيد
ومتى سلت المنايا سيوفا ... فالموالي حصيدها والعبيد
ومن شعره:
كلفت بعلم المنجنيق ورمية ... لهدم الصياصي وافتتاح المرابط
ونظم القوافي والمديح لشقوتي ... فلم أخل في الحالين من قصد حائط
وكان كثير الدخول على الوزير ناصر بن مهدي، ثم صار اذا جاء يجلس ظاهر الستر، فقال:
قولوا لمولانا الوزير الذي ... أضاع ودي ونوى هجري
وصوت إن جئت إلى بابه ... أجلسني في ظاهر الستر
ان كان ذنبي إنني شاعر ... فاصفخ فقد ثبت من الشعر
ثم انقطع عنه مدة، فلما دخل إليه أنكر عليه انقطاعه، فقال:
وقالوا قد صددت وملت عنا ... فقلت أبيت تكرار المحال
أنفت من الوداد إلى إناس ... رأوا حالي ولم يرثوا لحالي
ثم هجاه فقال:
خليلي قولا للخليفة أحمد ... توق وقيت السوء ما أنت صانع
وزيرك هذا بين أمرين فيهما ... صنيعك ياخير البرية ضائع
لئن كان حقا من سلالة حيدر ... فهذا وزير في الخلافة طامع
وأن كان فيما يدعي غير صادق ... فاضيع ما كانت لديه الصنائع
وله في غلام ثقيل الروادف:
يقعده في النهوض ردف ... قيامتي دونه تقوم
أفديه من مقعد مقيم ... عندي به المقعد المقيم
وله في زامر:
وزامر بات نديما لنا ... ما بين سكران ومخمور
تقتلنا الخمر ونحيا به ... كأنه ينفخ في الصور
وأنشد يوما قول القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني:
القني في لظى فإن غيرتني ... فتيقن ان لست بالياقوت
شمل النسج كل من حاك لكن ... نسج داود ليس كالعنكبوت
فقال في جوابها:
أيها المدعي الفخار دع الفخر ... لذي الكبرياء والجبروت
نسج داود لم يفد صاحب الغا ... ر وكان الفخار للعنكبوت
وكذلك النعام يبتلع الجمر ... وما الجمر للنعام يقوت
وبقاء السمند في لهب النار ... مزيل فضيلة الياقوت
وفيها، توفي أبو الفضل جبريل بن زطينا كاتب الديوان كان أولا نصرانيا وأسلم في أيام الخلفية الناصر لدين الله وكان ذا فضل وأدب وله نظم ونثر وأشياء مستحسنة، ومن شعره:
ان سهرت عينك في طاعة ... فذاك خير لك من نوم
Page 2
أمسك قد فات بعلاته ... فاستدرك الفائت في اليوم
وأن قسا القلب لاكداره ... فصفه بالذكر والصوم
وله:
اذا أعيا عليك الامر فارجع ... الى رب عوائده جميلة
فكم من مسلك مع ضيق سلك ... تجلى واستبان بغير حيلة
وله:
اريد من نفسي نشاط الشباب ... ودون ما أبغيه شيب الغراب
فكيف والسبعون جاوزتها ... ومذهب العمر رمى بالذهاب
ومطلبي عز وما دونه ... تأباه نفسي واموري صعاب
وقد تحيرت ولا غرو أن ... يحار من يطلب ما لايصاب
وفيها توفي الاستاذ سعد الدين محمد بن جلدك خازن دار التشريفات، كان شيخا عاقلا تولى خدمة الخليفة الناصر لدين الله مدة عمره وصحبه سفرا وحضرا وكان يتولى حمل مطالعاته إلى الوزير وغيره ممن تبرز إليه مطالعته.
وفيها، توفي الملك المسعود أبو الظفر يوسف ابن الكامل الملك محمد ابن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب بن شادي، لما ملك أبوه الملك الكامل اليمن، واستولى على مكه، ولاها ابنه الملك المسعود هذا فاستناب بها أميرا، وكان هو يتردد إليها ومقامه باليمن ولم تكن سيرته حسنة ولا طريقته محمودة. قيل أنه دخل مكة في هذه السنة فأساء السيرة في أهلها ثم رمى طيور الحرم الشريف بالبندق فشلت يده وأدركه أجله بها، فمات ودفن بالمعلى، وكان شابا.
سنة سبع وعشرين وستمائة
في غرة المحرم، جلس محي الدين أبو عبد الله محمد بن فضلان في ديوان الجوالي واستوفى الجزية من أهل الذمة، فكان أحدهم يقف بين يديه الى أن توزن جزيته ويكتب به ورق وهو صاغر فلقوا من ذلك شدة وكان أبو علي ابن المسيحى رئيس الطب. له اختصاص ودخول إلى دار الخليفة فأظهر المرض واعتذر وسأل أن تؤخذ جزيته من يد ولده، فلم تقبل منه، فحضر، وأداها ومضى ابن الشويح رأس مشيئة اليهود إلى داره ليلا وسأله أن يأخذ الجزية منه فلم يلتفت إليه، وقال له لابد أن تحضر نهارا إلى الديوان وتؤديها، وشدد في ذلك ولم يسامح أحدا.
وفيه، ولي شمس الدين أبو ال؟ أزهر أحمد بن الناقد استاذية الدار، وخلع عليه وذلك إضافة إلى وكالة الخلفة المستنصر بالله.
وفيها، وصل فخر الدين أحمد بن الدامفاني وشمس الدين عبد الرحمن شيخ الشيوخ، والأمير فلك الدين محمد بن سنقر الطويل، وسعد الدين حسن بن الحاجب علي المقدم ذكر توجههم في السنة الخالية، إلى جلال الدين منكوبرتي، وكان اجتماعهم به ظاهر خلاط وهو نازل عليها ومحاصر لها، فخلعوا عليه وألبسوه سراويل الفتوة، ووصل بعدهم بأيام، رسول منه برسالة، مضمونها شكر الإنعام عليه والأخبار بفتح خلاط وملكها. فخلع عليه وعلى خواصه، وأنزل دار الأمير محمد بن االنباري على دجلة فأقام أيام ثم عاد.
وفيها، نقل عن عبد الله بن اسماعيل صاحب ابن المنى الواعظ ما اقتضى أنه أحضر الى دار الوزرة وضرب مائة عصا وقطع لسانه وحمل إلى المارستان العضدي، وحبس في حجرة المجانين وأفرج عنه بعد ثلاثة أشهر.
وفي غرة شهر رجب المبارك، فرقت الرسوم من البر على أربابها جاري العادة، وأبرز من دار الخليفة الى استاذ الدار شمس الدين أحمد بن الناقد ما أمر بتفرقته على الفقراء والمحتاجين ببغداد.
وفيها، قلد قاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل الواسطى أبا عبد الله محمد بن أبي الفضل الحنفي ويعرف بربيب الابرى، قضاء واسط وولاية الوقوف بها.
وفيها، تقدم الخليفة المستنصر بالله إلى فخر الدين أحمد بن نائب الوازارة مؤيد الدين القمى، بعمارة مساجد الكرخ فشرع في ذلك فلما تكاملت عمارتها، رتب بها الائمة والمؤذنون.
وفيها، تكامل بناء قصر مبارك، الذي أمر بعمارته بباب البصرة المشرف على الصراة.
وفيها، نقل ظهير الدين الحسن بن عبد الله، من أشراف الديوان إلى صدرية المخرن، ورتب العدل فخر الدين أحمد بن الدامغاني عوضه في اشراف الديوان.
وفيها، وصل رسول من محمد بن يوسف ابن هود، يخبر باستيلائه على معظم بلاد الغرب واستعادتها من أيدي غصابها بني عبد المؤمن، واقامة الدعوة بها للدولة العباسية، فأكرم الرسول ثم كتب على يده شيء إلى مرسله وخلع عليه وأذن له في العود.
Page 3
وفيها، تكامل بناء سور الرصافة، الذي أمر بعمارته الخليفة المستنصر بالله.
وفيها، ولي الأمير شمس الدين أصلان تكين الناصري، إمارة الحاج وحج الناس في هذه السنة.
وفيها، توفي عضد الدين أيو نصر المبارك بن الضحاك وكان شيخا دينا فاضلا أديبا، وكان من المعدلين بمدينة السلام، ورتب ناظرا بديوان الجوالي، وكتب ديوان الانشاء، ثم نفذ رسولا إلى صاحب الشام، فلما عاد رتب أستاذ دار الخلافة، فكان على ذلك إلى أن توفي، وكان له شعر حسن، فمما نسب إليه ما رئى به بعض أصحابه وهو:
لئن مضى أحمد حميدا ... ما الموت في أخذه حميد
أو بخلت مقلة بدمع ... فهي على مثله تجود
وفيها، توفى الأمير نور الدين ككسنقر التركي المعروف بالحلقي كان أولا لبعض أمراء العراق، فلما توجه الوزير بن القصاب إلى هناك وأستولى على تلك الأماكن، حضر عنده بعض الأمراء فشاهد معه ككسنقر المذكور فاستحسن صورته وأعجبه قده وهيفه، فأشار إلى بعض المماليك بأن يتحدث إليه ويطمعه في سيده بحيث يطلب منه الانفصال عنه وبعده أن ينفذ به إلى بغداد ويصير بها أميرا أكبر من سيده، فاجتمع به المملوك، وفاوضه في ذلك ورغبه فشافه سيده بذلك، فقلق قلقا شديدا وتضرع إليه في أن لا يفارقه فلم يرق له فمنعه سيده من الخروج فالقى نفسه من الدار ومضى هاربا إلى الوزير واستجار ببابه فأدخله إليه وسمع كلامه، وأحضر سيده وتحدث معه في بيعه فلم يجب إلى ذلك، فأمر الوزير بانفاذ ككسنقر إلى بغداد مع ثقة، فلما وصل، ورآه الخليفة فأحسن إليه وتلقاه بالقبول، ولم يزل في ارتقاء وعلو منزلة، وقربه حتى ولاه الإمارة وجعله أمير السلاح وأقطعه معاملة الحدادية، من أعمال واسط ثم أقطع قوسان، وأضيف إليه جماعة من الأمراء ولم يزل يداوم على الشراب حت غلب عليه البلغم وسمن سمنا عظيما، عطله عن الحركة وامتنع من الركوب، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي. وأما سيده فإنه لم بعد فراقه مشغوفا به هائما عليه. مفكرا فيه، حتى أخذه السل فأحرقه ومات.
وفيها، عاد الأمير مجير الدين جعفر بن أبي فراس الحلي إلى بغداد وكان مقيما بمصر عند ولده، فلما وصل، وقع الرضا عنه من الخليفة المستنصر بالله، وكان سبب توجهه إلى مصر، أن الخليفة الناصر كان قد أمره، وجعل إليه شحنكية واسط البصرة، ثم عزله عن ذلك ولم يوله فانقطع إلى التعبد وحج في إمارة ولده حسام الدين على الحاج، فلما فارق ولده الحاج، وتوجه إلى مصر، مضى صحبته وأقام إلى الآن، وعاد إلى بغداد في غرة رجب، وأقام بداره فأدركته المنية في آخر ذي الحجة، فصلي عليه في جامع القصر وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وفيها، توفي أحمد بن أبي السعود الرصافي الكاتب، كان يخدم ولي العهد أبا نصر محمد بن الخليفة الناصر لدين الله وكان يكتب له أنساب الطير والحمام، وكان يكتب خطا مليحا على طريقة ابن البواب وكان معجبا بخطه. كتب نهج البلاغة بخطه ونادى عيه فدفع فيه خمسة دنانير فلم يبعه، ثم نودي في الحال على قوائم، بخط ابن البواب خمسة عشر دينارا، فاستشاط وقال يدفع في نهج البلاغة بخطي خمسة دنانير ويدفع في قوائم بخط ابن البواب خمسة عشر دينارا. وليس بين الخطين كبير فرق ولا سيما هذا التفاوت، ثم ذكر قصة ابن جيوس لما اجيز على قصيدة عملها، الف دينار وتسامع الشعراء فحضر منهم جماعة وعرض كل منهم قصيدة، فلم يعط أحد منهم شيئا، فكتب أحدهم إلى الممدوح:
على بابك المعمور منا عصابة ... مفاليس فانظر في امور المفاليس
وقد رضيت هذي العصابة كلها ... بعشر الذي أعطيته لابن حيوس
وما بيننا هذا التفاوت كله ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فعجب الحاضرون منه.
سنة ثمان وعشرين وستمائة
Page 4
في المحرم، وصل إلى بغداد مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي كوجك صاحب أربل، ولم يكن قدم بغداد قبل ذلك، وكان معه محي الدين يوسف بن الجوزي، وسعد الدين حسن ابن الحاجب علي، وكانا قد توجها إليه في السنة الخالية فخرج إلى لقائه فخر الدين أحمد بن مؤيد الدين القمي نائب الوزارة، والأمراء كافة والقضاء والمدرسون وجميع أرباب المناصب، فلقوه على نحو من فرسخ، ولقيه فخر الدين بن القمى بظاهر السور واعتنقا راكبين ثم نزلا، فقال له فخر الدين لما انتهى إلى مقار العز والجلال ومعدن الرحمة والكرم والافضال: لا زالت الأبواب الشريفة ملجأ للقاصدين، والاعتاب المنيفة منهلا للواردين، وصولك يامظفر الدين رسم أعلى المراسم الشريفة وأسماها، وأنفذ أوامرها في مشارق الأرض ومغاربها وأمضاها، قصدك وتلقيك وأحماد مساعيك أكراما لك واحتراما لجانبك، فيقابل ما شملك من الأنعم بتقبيل الرفام، والدعاء الصالح الوافر الأقسام المفترض على كافة الأنام والله ولي أمير المؤمنين. فقبل الأرض حيئذ مرارا، ثم دخلوا جميعا إلى البلد فلما وصل باب النوبى، ساق فخر الدين ونزل مظفر الدين وقبل الأرض، وعضده الاجل نور الدين أبو الفضل بن الناقد أحد حجاب المناطق بالديوان، ثم ركب وقصد دار الوزارة فلقى مؤيد الدين القمى وجلس هناك، وركب نائب الوزارة وولده وجميع أرباب الدولة والأمراء، وتوجهوا نحو دار الخلافة.
فأما مؤيد الدين وولده وخواصه، فدخلوا من الباب القائمي بالمشرعة. وأما الولاه والأمراء فدخلوا من باب عليان وباب الحرم، وانتهي الجميع إلى تحت التاج على شاطىء دجلة، ووقفوا تحت الدار الشاطئية ذات الشبابيك، ثم استدعى مظفر الدين من دار الوزارة بالأمير عز الدين ألب قرأ الظاهري وبأحد خدم الخليفة، فحضر فرفعت الستارة فقبل الجميع الأرض. وكان قد نصب تحت الشباك الاوسط كرسي ذو درج، فرقي عليه نائب الوزارة واستاذ الدارابن الناقد. ومظفر الدين، وسلم مظفر الدين مشيرا برده إلى الشباك تاليا قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فرد الخليفة عليه السلام. فقبل الأرض مرارا ثم شكر الخليفة سعيه، فاكثر من تقبيل الأرض والدعاء فاسبلت الستارة وعدل بمظفر الدين إلى حجرة، فخلع عليه فيها، وقلد سيفين وقدم له فرس بموكب ذهبا ومشده ورفع وراءه سنجقان مذهبان وخرج من الباب القائمي المعروف بباب التمر المشرعة، وبه كان قد دخل ومضى والناس في خدمته إلى حيث انزل بدار شمس الدين علي ابن سنقر، بدرب فراشا وأنزل جماعة من الأمراء الواصلين معه في دور، في عدة محال، وباقي عسكره في المخيم ظاهر البلد وأقيمت له ولاصحابه الاقامات الوافرة، ثم سأل زيارة المشاهد والربط ببغداد فعمل له في كل مكان وليمة، وصلى في جامع القصر جمعتين داخل الرواق إلى جانب المنبر، ثم حضر في منتصف صفر مؤيد الدين القمي نائب الوزارة وولده والجماعة الذين حضروا يوم دخوله وجرت الحال على ما تقدم شرحه، وخاطبه الخليفة بما طابت به نفسه، فقبل الأرض وابتهل بالدعاء، وتلا قوله تعالى (ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) ثم اسبلت الستارة وخلع عليه في تلك الحجرة ، وأعطي كوسات وأعلاما وخمسين ألف دينار، برسم نفقة الطريق، وبرسم حاشيته، وأصحابه عشرة آلاف دينار. وخرج من هناك إلى دار الوزراة وحضر جميع أصحابه فخلع عليهم بحضورة، وأقام بعد ذلك أياما ثم خرج إلى مخيمه بظاهر سور سوق السلطان وتوجه إلى بلده، وكانت مدة مقامه ببغداد عشرين يوما، ومضى معه محي الدين بن الجوزي، وسعد الدين حسن بن الحاجب علي، وعادا في ربيع الأول وأخبرا أن مظفر الدين حلف أمراءه وأعيان بلده، على طاعة الخليفة وتسليم البلد عند وفاته إليه.
وفيها، عزل قاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل، أبا عبد الله محمد بن أبي الفضل الحنفي عن قضاء واسط، وكان قد قلده القضاء في السنة الخالية فأقام بها شهورا فلم يحمد مجاورة أهلها، واصعد ليقرر قاعدة تمكنه المقام بها من توفير الجاه، فلم يتهيأ له ذلك.
Page 5
وفي صفر، دخل بعض الأتراك إلى دار الوزير مؤيد الدين القمي وطلب غفلة الستري وانتهى إلى مجلسه فلم يصادفه جالسا، وكان بيده سيف مشهور وكان آخر النهار، وقد تقوض الجامعة من الديوان فصاح عليه خادم، فتبادر الغلمان وأمسكوه، وانتهى ذلك إلى مؤيد الدين فجلس وأحضر التركي بين يديه وسأله عما حمله على ذلك؟ فلم يقل شيئا، فضرب ضربا مبرحا، فذكر أنه له مدة لم يصله شيء من معيشته وهو ملازم الخدمة وقد أضر به ذلك، فحمله فقره وحاجته وغيظه على ما فعل فأمر بصلبه فصلب وحط بعد يومين.
وفيها، أنهى إلى الديوان، أن انسانا يهوديا أسلم وتزوج مسلمة ثم ارتد إلى دين اليهود، فأمر بقتله وفاحضر وصلب.
وقطع لسان إنسان جيء به من همذان تحت الاستظهار، نقل عنه أنه ادعى هناك اتصالا بالخليفة المستنصر بالله ثم حمل إلى المارستان فحبس به.
وفيها، اجتاز رجل بباب مسجد وقد نصب عليه خشب ليجعل عليه أضواء لاجل الختمة فوقع عليه جذع قمات وحمل إلى بيته فقال الجيران هذا تخاصم هو وزوجته اليوم فخرج وهو يقول (اشتهيت أن يقع علي شيء حتى أموت وأستريح منكم) .
وفي ليلة عيد الفطر، فتح باب في حائط دار الوزارة وجعل عليه شباك حديد وجلس فيه مؤيد الدين القمي نائب الوزارة واستعرض العسكر.
وفي شوال، تكامل بناء المدرسة التي أنشأها شرف الدين أقبال الشرابي بسوق العجم بالشارع الأعظم بالقرب من عقد سور سوق السلطان مقابل درب الملاحين، وكان المتولي لبنائها شمس الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد وكيل الخليفة المستنصر بالله وشرط الواقف، له النظر فيها وفي أوقافها، ثم بعده إلى من يلي وكالة الخلافة، وفتحت في آخر شوال ورتب بها الشيخ تاج الدين محمد بن الحسن الارموي مدرسا، وخلع عليه وعلى الفقهاء والعبيد وجميع الحاشية ومن تولى عمارتها، وحضر جميع المدرسين والفقهاء على اختلاف المذاهب، وقاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل، فجلس في صدر الايوان وجلس في طرفي الايوان محي الدين محمد بن فضلان، وعماد الدين أبو صالح نصر ابن عبد الرزاق بن عبد القادر فكلاهما قد كان قاضي قضاة وعمل من أنواع الاطعمة والحلواء ما تعبى في صحنها قبابا، وحمل من ذلك إلى جميع المدارس والاربطة، وقرئت الختمة وتكلم الشيخ محمد الواعظ ثم جلس المدرس بعده، وذكر دروسا أربعة فأعرب عن غزارة فضله وتوسع علمه، وفيها خلع على الأمير شمس الدين أصلان تكين، خلعة إمارة الحاج، وحج بالناس.
وفيها، توفي بركة بن محمود الساعي المشهور بالسعي والعدو وكان من أهل الحربية سعى من واسط إلى بغداد في يوم وليلة.
ومن تكريت إلى بغداد، في يوم واحد، وحصل له بسبب ذلك مال كثير وجاه عريض، واتصل بخدمة الخليفة الناصر لدين الله وجعله أخيرا مقدما لرجال باب الغربة، فكان على ذلك إلى أن توفي.
وفيها، توفي الملك الأمجد أبو المظفر بهرام شاه بن فروخ شاه أبن شاهنشاه بن أيوب شاه بن شادي صاحب بعلبك، كان قد ملكها بعد أبيه فانتزعها الملك الاشرف موسى بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب منه قهرا، وأخرجه عنها فرحل إلى دمشق وأقام بها. فاتهم بعض مماليكه بسرقة منطقة وحبسه، فوثب عليه ليلا وقتله فأخذ المملوك وقتل، وكان الملك الأمجد أديبا فاضلا شاعرا، فمن شعره يقول:
يؤرقني حنين وأذكار ... وقد خلت المعاهد والديار
تناءى الظاعنون فلي فؤاد ... تسير مع الهوادج حيث ساروا
وليلي بعد بعدهم طويل ... فأين مضت ليالي القصار
فمن ذا يستعير لنا عيونا ... تنام ومن رأى عينا تعار
سنة تسع وعشرون وستمائة
Page 6
وفي هذه السنة، وردت الأخبار بانتشار عساكر الغول في بلاد أذربيجان وتطرقهم إلى ما يقاربها من النواحي والأعمال إلى نحو شهر زور، فأخرج الخليفة المستنصر بالله الأموال وجهز العساكر وأرسل إلى سائر البلاد للجمع والاحتشاد، فورد كتاب مظفر الدين كوكبري صاحب أربل ويسأل انجاده بالعساكر، ليتفق معهم فتقدم الخليفة بخروج العساكر، فبرزوا إلى ظاهر البلد وتجهزوا وساروا ومقدمهم جمال الدين قشتمر الناصري، ومعه من الأمراء، شمس الدين قيران، وعلاء الدين ايلدكن وبهاء الدين ارغش، وفلك الدين زعيم البيات. فساروا قاصدين مظفر الدين كوكبري صاحب أربل فالتقوا به في موضع قريب من الكرخيتي فأقاموا هناك بقية شهر رجب وشعبان، فجرى بين بعض مماليك الخليفة وبيطار من أصحاب مظفر الدين صاحب أربل خصومة، فعاونه جماعة من أصحابه فانتشب بسبب ذلك بين العسكرين فتنة أدت إلى قتل وجراح، فركب مظفر الدين بسلاحه وكذلك أصحابه، ثم وقف في باطن دهليز سرادقة، وكادت الحرب تنشب بينهم، فركب جمال الدين قشتمر بغير سلاح ولا مداس، ومنع غلمانه ومماليكه من متابعته، ودخل في غمار الوقعة وقصد خيمة مظفر الدين صاحب أربل، فوجده راكبا بالعدة الكاملة، يحرض أصحابه على القتال فلاطفه وخجله وقبح له ذلك، فعرف وجه الصواب، فرجع عما كان عزم عليه، وسكنت الفتنة، ثم اتفقوا على الرحيل إلى مدينة شهر زور لأنهم بلغهم أن المغول قد وصلوا ساميان وحاصروا حاصبك، فنفذ جمال الدين قشتمر جماعة طلائع، وجعل مقدمهم ارتر العراقي، ثم رحلوا في ثامن شهر رمضان ونزلوا في موضع يعرف بالاكراد، فورد الخبر إليهم بوصول أمين الدين كافور خادم الخليفة المستنصر بالله فركب جمال الدين قشتمر ومظفر الدين صاحب أربل، وجميع الأمراء للقائه فاجتمعوا به وعرفهم ما أمر به الخليفة ثم عاد في سحرة تلك الليلة إلى بغداد وأحضر في تاسع رمضان عند جمال الدين قشتمر، ثلاثة نفر وامرأة من المغول فسألهم عن أخبارهم، فذكروا أنهم فارقوهم راجعين من مراغة فأخذ عليهم شروط الاسلام فأسلموا فضمهم إليه ثم رحلوا وساروا حتى عبروا الدربند، فوصل إليهم الدكز مخبرا أنهم صادفوا يزكا منهم على غرة، وجرت بينهم هوشة وأن المغول استظهروا عليهم لكثرتهم ومعرفتهم بالأرض، وقتلوا مقدم الطلائع وجماعة من العسكر، فعند ذلك جدوا في السير فوصلوا شهر زور ونزلوا بقرية يقال لها موغان غربي شهر زور فلم يمكنهم المقام هناك لعدم الماء العذب فيه، ومات في ذلك المنزل خلق كثير بهذا السبب فعند ذلك أظهر مظفر الدين صاحب أربل المرض وشدته، فدخل إليه جمال الدين قشتمر عائدا فوجده ملقي على ظهره، فقال لا غناء لي عن التوجه إلى بلده، وطلب منه ولده شرف الدين علي وقال يكون معي إذا مت يتسلم البلد، وطلب أيضا الأمير سعد الدين حسن بن الحاجب علي، ليسلم إليهما خفيتان، فأجابه إلى ذلك فتوجه مظفر الدين قاصدا بلده وتوجه قشتمر إلى الكرخيتي. وأما مظفر الدين فإنه وصل إلى أريل وأقام شرف الدين وسعد الدين عنده أياما ثم سرحهما فعادا إلى الكرخيتي، وأخبراه أنه في أتم عافية وأن ذلك كان حيلة منه، وكان جمال الدين قشتمر قد نفذ الأمير ابن حسام الدين طرغل ونور الدين الدكز إلى الدربند يزكا، فذهبا يتصيدان فما أحسا إلا وقد أحاط المغول بخيمهما فأخذوها وما فيها، فلما بلغ ذلك جمال الدين قشتمر ركب بمن معه وصعد رأس الجبل هناك واعتبر العساكر فلم يجد إلا الأمراء والمماليك ومتميزي الأجناد، وترقب وصول المغول فأسفرت الحال عن يزك كان لهم، وأن قطعة منهم بالدربند فاقتضى رأيه الرجوع، والنزول في المنزل تطييبا للناس من النفور والانزعاج، فحضر جميع الامراء عنده وظهير الدين الحسن بن عبد الله عارض الجيش، ودارت المشورة بينهم في كيفية لقاء عدوهم فكل منهم أشار بشيء، إلا عارض الجيش فإنه قال: الرأي معكم فاتفقوا على الرحيل ليلا من غير طبل ولا شغل، والمسير إلى شهر كرد فهناك وطأة واسعة وأرض فسيحة تصلح للحرب فرحلوا همسة من غير حركة تسمع، فصبحوا شهر كرد: وأما من كان معهم من العساكر الغرباء فأنهم رحلوا متفرقين كل منهم طلب بلده، وأقام جمال الدين قشتمر ومن معه من العساكر فلم يقدم أحد المغول إلى محاربته فأنهى ذلك إلى الديوان فتقدم إليه بالعود فرحل قاصدا مدينة السلام فلم يؤذن له في دخول البلد
Page 7
فأقام بظاهره إلى صفر،
سنة ثلاثين وستمائة
، ثم أذن له الدخول. فأقام بظاهره إلى صفر، سنة ثلاثين وستمائة، ثم أذن له الدخول.
وفي هذه السنة، نقل عبد الله بن ذبابة، ما اقتضى ضربه على باب النوبى، وقطع لسانه واحضاره إلى البصرة، والزامه المقام بها.
وفيها، جرت فتنة بين أهل باب الازج وبين أهل المختارة وتراموا بالبندق والمقاليع والآجر وتجالدوا بالسيوف فقتل من الفريقين، وجرح جماعة فتقدم في عشية اليوم التالي بخروج الجند وكفهم عن ذلك، فخرج نائب باب النوبي ومعه جماعة من الجند وكفهم وقبض على جماعة منهم فضربهم وقطع أعصابهم، فسكنت الفتنة.
وفيها، صعد إنسان إلى الشيخ محمد الواعظ وهو على منبر وعظه بباب بدر ومعه سمان وقال أني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وقال لي لا أحمل هذا السمان إلى محمد الواعظ وقل له يعطيه للخليفة، فاستيقظت وهو في يدي، فقال له أمسكه معك إلى حين فراغ المجلس، فانهيت الحال إلى الخليفة فتقدم بأن يعزر ويوكل به على كذبه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيها، قلد قاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل الواسطي أحمد ابن عنتر الهمامي، قضاء واسط وخلع عليه فخرج والبسملة بين يديه متوجها إلى داره فاجتاز على دار الوزارة وكان مؤيد الدين القمي جالسا في الشباك فانكره وسأل عنه فعرف الصورة ولم يكن قاضي القضاة استأذنه في ترتيبه، فانكر الحال على قاضي القضاة، فنفذ في الحال إلى المذكور وكيلا شافعا بالعزل، ثم أنه بعد ذلك شفع إلى الوزير في ابن عنتر فتقدم إلى قاضي القضاة باعادته، فأعاده.
وفيها، أذن الخليفة المستنصر بالله لولده الأمير المؤيدي أحمد عبد الله أن يوكل العدل، عبد الوهال بن المظفر وكالة شرعية فوكله، وأشهد على نفسه بذلك العدلين على بن النيار مؤذبه، ومحمد بن حديد.
وفيها، تقدم الخليفة إلى الأمير شمس الدين باتكين زعيم البصرة بعمارة جامعها وتجديده وأحكامه وتشييده، وانشاء مارستان هناك وأن يكون الغرامة عليه من خالص مال الخليفة وآن توقف عليه وقوفا سنية موفرة الحاصل.
ذكر عزل الوزير مؤيد الدين القمي
وولاية نصير الدين أبي الازهر أحمد بن الناقد
في يوم السبت سابع عشر شوال، تقدم إلى مؤيد الدين أبي طالب محمل بن أحمد بن العلقمي مشرف دار التشريفات يومئذ أن يحضر عند استاذ الدار شمس الدين أبي الأزهر أحمد بن الناقد ويتفقا على القبض على نائب الوزارة مؤيد الدين القمي فجمع استاذ الدار رجال النوبتين وأمرهم بالمبيت في دار الخلافة ولم يشعر أحدا منهم بشيء فلما أغلق بابا النوبي والعامة، عين على جماعة مع ابن شجاع مقدم باب الأتراك، بالقبض على القمي إذا فتح باب النوبي، وعين على جماعة مع حسن بن صالح المعمار للقبض على ولده في الساعة المعينة، وعين جماعة للقبض على أخيه وجميع أصحابه وخواصه، فلما فتح باب النوبي خرج الجميع بالسيوف وهجموا عليه وعلى ولده وأخيه وجميع أصحابه في ساعة واحدة فلم يفلت منهم صغير ولا كبير. فأما هو وولده فنقلا ليلا إلى باطن دار الخلافة فحبسا هناك. وأما بناته ونساؤه فنقلن إلى دار بالقصر من دار الخلافة. وأما أخوه ومماليكه وأصحابه فحملوا إلى الديوان.
وفي يوم السبت المذكور. استدعي استاذ الدار شمس الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد إلى دار الخلافة، وخلع عليه نيابة الوزراء وقلد سيفا وقدم له مركب بمركب ذهبا وركب من باب البستان المقابل لدار التشريفات وبين يديه جميع الحجاب وقد تقدمه إلى الديوان جميع أرباب الدولة فدخل إليه وجلس في الموضع الذي جرت عادة نواب الوزارة بالجلوس فيه ، وكتب والأنهاء وبرز الجواب فقرأه قائما على الحاضرين، وأمر الخليفة بأن يخاطب بخطاب الوزير أبي الحسن ناصر بن المهدي العلوي وهو المولى الوزير الأعظم الصاحب الكبير المعظم، العالم العادل، المؤيد المظفر المجاهد نصير الدين صدر الإسلام، غرس الإمام، شرف الأنام، عضد الدولة، جلال الملة، مغيث الأمة، عماد الملك، اختيار الخلافة مجتبى الأمانة المكرمة، تاج الملوك، سيد صدور العالمين، ملك وزراء الشرق والمغرب، غياث الورى، أبو الأزهر أحمد أبن محمد أبن الناقد ظهير أمير المؤمنين، ووليه المخلص في طاعته، الموثوق به في صحة عقيدته.
Page 8
وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال ولي مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي استاذية الدار، وخنع عليه في دار الوزارة وركب في جمع كثير واسكن في الدار المقابلة لباب الفردوس، ولما قبض على القمي، قال الشعراء في ذلك أشعار كثيرة منها ما قاله الحاجب محمد بن عبد الملك الوظائفي وحرض الخليفة على قتلهما بألفاظ رمات البندق. وهو:
لقد انتحى المستنصر المنصور ... يوم المكين كما انتحى المنصور
ملك الخراساني ذاك ببغية ... وكذا خراسانينا المأسور
لا تبقه ياخير من وطىء الحصا ... فالحزم أن لا يهمل الموتور
وأفصم عرى عنق القصير فدونه ... في المكر والكيد الوكيد قصير
مولاي في وجه العداة صرعت ... مصطحبا وطير المخر فيه وكور
أخليت منه الجو في ندب وكم ... حامت عليه ولم تنله نسور
خيشته لكن مفيقا فاتبع ... ما سنه في البندق الجمهور
والرأي تذكية المفيق فإنه ... مازال يملك روعة ويطير
فالكي مخلفه لديه واضع ... في حده عضد له وظهير
لا تأمنن عليهما في محبس ... ضنك فعندهما له تدبير
كم هارب من قلة في قلعة ... ولكم نجا بقيوده مطمور
فاقتلهما بالسيف أحوط حارس ... لهما وهذا أول وأخير
ضل المكين بكل ما صنعت به ... آراؤه في دسته المغرور
وتر الخلافة بالخلاف ولم يكن ... قد رد تدبير الملوك وزير
فعزمت فيه عزمة نبوية ... كادت لسطوتها السماء تمور
حرست ثغور المسلمين بعزلة ... وتبسمت للعالمين ثغور
وفيها، ولي جمال الدين علي ابن البوري حجابة باب النوبي، وفيها، قطع الشيخ محمد المعروف بالواعظ عن الوعظ ومنع من الجلوس بباب بدر، وكذلك العدل اسماعيل بن النعال الواعظ.
وفي ذي القعدة، استناب نصير الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد نائب الوزارة أخاه جمال الدين عبد الله في الوكالة ليتوفر هو على أمر الوزارة، وفيه، انعم الخليفة على الأمير علاء الدين الطبرسي المعروف بالدويدار، الكبر بالدار المقابلة لباب الحرم المجاورة لداره، وانتقل عنها معلى بن الدباهي.
وحج بالناس في هذه السنة الأمير شمس الدين أصلان تكير الناصري.
وفيها، توفى أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة وكان على طريقة حميدة وقاعدة جميلة، عني بعلم الحديث وسماعه، وسافر البلاد في طلبه.
وفي خامس شوال، توفي جمال الدين محمد بن علي بن خالد الكاتب شيخ فاضل عالم بالسير والأخبار، كتب بخطه كثيرا وجمبع عدة مجاميع، واختصر كتاب الأغاني للاصفهاني وخدم في عدة أعمال. منها كتابة المخزن وخزانة الغلات بباب المراتب، وأشراف البلاد الحلية وغير ذلك، وصنف كتابا في علم الكتابة وسماه جوهر اللباب في كتابة احساب.
سنة ثلاثين وستمائة
في المحرم، قلد العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الله بن المنصوري الخطيب، نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة وخلع عليه قميص اطلس بطراز مذهبا ودراعة خارا اسود، وعمامة ثوب خارا اسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلى بالذهب وامتطى فرسا بمركب ذهبا، وقرىء بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، وركب في جماعة إلى دار أنعم عليه بسكناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينة السلام وأفاضل أرباب الطريقة المتكلمين بلسان أهل الحقيقة. كان يصحب الفقراء دائما ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن التباعد من العالم، وكان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتا طويلة، لما انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ووكل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته، وأول الأبيات:
في دسته جالسا ببسملة ... بين يديه أن قام في أدب
وركبة منه كنت أعهده ... يذم أربابها على الرتب
وكان أبناؤها لديه على ... سخط من الله شامل الغضب
أصاب في الرأي من دعاك لها ... وأنت لما أجبت لم تصب
Page 9
أول صوت دعاك عن غرض ... لبيته مقبلا على السبب
ويقول فيها:
قد كنت ذاك الذي تظن به ... لو لم تكن مسرعا إلى الرتب
شيخي أين الذي يعلمنا الز ... هد ويعتده من القرب
أين الذي لم يزل يسلكنا ... إلى خروج عن كل مكتسب
أين الذي لم يزل يعرفنا ... فضل العتري بالجوع والتعب
ومنها:
أين الذي لم يزل يرغبنا ... في الصوف لبسا له وفي الجشب
وأين من غرنا بزخرفه ... متى اعتقدناه زاهد العرب
وأين ذاك التجريد يشعرنا ... أن سواه في السعي لم يخب
وأين من لم يزل يذم لنا ... الدينا وقول المحال والكذب
وأين من لم يزل بأدمعه ... يخدعنا باكيا على الخشب
وأين من كان في مواعظه ... يصول زجرا عن كل مجتذ ب
ويقطع القول لا يتممه ... منظبا بالسماع والطرب
يقسم الغمر أنه رجل ... ليس في الوجود من أرب
لو كانت الأرض كلها ذهبا ... أعرض عنها أعراض مكتئب
أسفر ذاك الناموس مختيلا ... عن راغب في التراث مستلب
وكان ذاك الصرخ يزعجنا ... شكوى فقير على الدنا وصب
شيخي بعد الذم الصريح لما ... أبينه جئته على طلب
نسيت ما قلته على ورع ... عني لما اكتسبت بالدأب
ويل له أن يمت بخدمته ... يمت كفورا وليس بالعجب
ما كان مال السلطان مكتسبا ... لمؤمن سالم منالعطب
هذا ورزقي من وقف أربطه ... قدر طفيف أعطاه بالتعب
ولست في ثروة أسر بها ... دنياي منها موفورة النشب
فليت شعري ماذا أقول ... وقد حلت منها في مرتع خصب
أعطيت كراثة فتهت بها ... عن طلب كان أشرف الطلب
لو أنها نجمة خشيت على ... دينك شركا يكون عن كثب
وأن ذاك الحنيك منعطفا ... لجام من يدعي ولم ينب
شيخي بعد التفضيل منتقيا ... ثوبا قصيرا مجاوز الركب
اختلت في ملبس ذلاذله ... تسحب من طولها على الترب
يرفعها كل شادن غنج ... يفتن نساكنا على الرهب
واعتضت من عصي الزهادة من ... حولك مشي الغلمان بالقضب
لو كنت والله زاهدا ورعا ... لم ترضى دنيا الغرور باللعب
وكان في الله شاغل أبدا ... عما تراه بعين محتجب
لا يغتر بعد ذا أخو ثقة ... بمحسن في جميل مطلب
وليتعظ مدعي تقريه ... بحال شيخي الفتون وليتب
فكتب النقيب قطب الدين الحسن بن الاقساسي إلى النقيب مجد الدين المذكور أبياتا كالمعتذر عنه والمسلي له، يقول في أولها:
أن صحاب النبي كلهم ... غير علي وآله النجب
مالو إلى الملك بعد زهدهم ... وضطربوا بعده على الرتب
وكلهم كان زاهدا ورعا ... مشجعا في الكلام والخطب
فأخذ عليه فيها مآخذ فيما يرجع إلى ذكر الصحابة والتابعين وتصدى له جماعة وعملوا قصائد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتى أن قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلى أنه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلى قلة الدين فافتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.
وفيها، قدم راجح بن قتادة مكتة شرفها الله تعالى في جمع كبير ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عساكر الكامل أبي المعالي ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عسكر الكامل أبي المعالي محمد بن العادل صاحب مصر، فلما بلغ الكامل ذلك أرسل إلى مكة عسكرا فلما علم راجح بقدومهم نزح عنها فدخلها العسكر بغير محاوبة، وطبيوا قلوب أهلها وأحسنوا إليهم، بخلاف ما فعل راجح لما وليها
Page 10
وفيها، حصر الكامل أبو المعالي المذكور مدينة آمد، وضيق على أهلها وأضعفهم بقلة الميرة وغيرها، واستولى عليها وملكها عنوة، وكان صاحبها الملك مسعود الدوادار الملك.
وفيها، رد النظر في أوقاف مدارس الحنيفة والربط وجامع السلطان إلى فخر الدين أبي طالب أحمد ابن الدامغاني مشرف الديوان وكفت يد نواب قاضي القضاة ابن مقبل عنها.
وفيها، وصل الأمير حسام الدين أبو فراس بن جعفر بن أبي فراس الذي كان أمير الحاج في الأيام الناصرية وقد تقدم ذكر مفارقته للحاج مسيره إلى الشام، ومصر، ملتجأ إلى الكامل أبي المعالي محمد بن العادل، هربا من الوزير القمي وحدرا من قصيدة أياه، فلما بلغه عزله كاتب الديوان واستأذن في العودة فأجيب سؤاله فلما وصل إلى مدينة السلام، حضر عند نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة فخلع عليه ومضى إلى داره بسوق العجم ثم استدعي بعد أيام وخلع عليه وأعطي سيفا محلى بالذهب وأمطي فرسا وأعطي سبعة أحمال كوسات وأعلاما، وضم إليه جماعة من العسكر وأقطع بلد دقوقا.
وفيها، صرف تاج الدين أبو الفتوح علي بن هبة الله بن الدوامي، عن أشراف دار التشريفات وخرج راجلا إلى داره، ورتب عوضه تاج الدين أبو المظفر محمد بن الضحاك.
وفي جمادى الآخرة، فرج عن ولد مؤيد الدين القمي وجميع أصحابه وأتباعه.
وفي شهر رمضان، فتحت دور الضيافة بجانبي مدينة السلام جريا علي العادة في كل سنة وزيد فيها داران أحداهما بدار الخلافة لاولاد الخلفاء المقيمين في دار الشجرة، والأخرى بخربة ابن جردة، للفقراء الهاشميين.
وفي هذه السنة، سير جمال الدين بكلك الناصري إلى قلعة زرده ومعه عدة من العسكر، فحصرها وضيق على من بها وجرت بينهم حروب كثيرة وقتال شديد، فملكها عنوة وقهرا واستولي عليها وأرسل إلى الخليفة يعرفه ذلك، فاستبشر به ونظم الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة.
ذكر فتح أربل
في سابع عشر شهر رمضان، ورد الخبر إلى بغداد بوفاة مظفر الدين أبي سعيد كوكبري بن زين الدين علي كوجك صاحب أربل فتقدم الخليفة بتعيين جماعة من الأمراء يكون مقدمهم الأمير أرغش الناصري الرومي، وعلاء الدين الدكز الناصري للتوجه إلي أربل وتقدم إلى ظهير الدين أبي علي الحسن بن عبد الله عارض الجيش بالتوجه أيضا فتوجهوا مصعدين في خامس عشر الشهر.
Page 11
وفي ثالث شوال، توجه شرف الدين أبو الفضائل أقبال الشرابي بالعسكر فوصلوا في ثالث عشر شوال، وكان في القلعة خادمان أحدهما اسمه برنقش والآخر اسمه خالص، كانا قد كتبا إلى الخليفة وإلى عماد الدين زنكي صهر مظفر الدين والي بني أيوب حيث ثقل مظفر الدين في المرض يعرفانهم ذلك وقالا: من سبق إلينا كانت منتنا عليه. وكتبا إلى الملك الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد يعلمانه بموته ويحثانه على المجيء فلما شاهدا عساكر الخليفة سقط في أيديهما وعلما أنه قد انتهى إلى الخليفة ما فعلا فامتنعا من فتح البلد فلما رأى الشرابي أنهم أغلقوا أبواب المدينة دونه، استدعى الأمير جمال الدين قشتمر وقال له: ما لهذا الأمر سؤال وإذا فعلت شيئا لا يسع غيرك إلا موافقتك فركب في الحال من غير استراحة ودار ليله أجمع حول البلد وهم على السور، بالاضواء والطبول ثم قسم أبواب البلد على الأمراء وضرب هو خيمة مقابل باب عمكا واللونه أعظم الأبواب وأكثر المقاتلة هناك، ونصب البيت الخشب مقابل الباب بالقرب منه بحيث يسمع كلامهم ويسمعون كلامه، ويصل نشاب الجرخ إليه ولم يزل نهاره أجمع يرقب ما يعملون ويشاهد ما يصنعون وفي الليل يدور على العساكر ويحرض على الحراسة والحفظ، والشرابي يراسل الخادمين المذكورين ويخوفهما عاقبة العصيان فسألا أن يؤخرا يومين فأجيبا وكان وغرضهما أن يصل الملك الصالح أيوب المقدم ذكره، فلما انقضى الامد نفذ جمال الدين قشتمر إلى أحد زعمائهم وقال له: أخلفتم الوعد، وخوفهم وحذرهم، فرد عليه جوابا غير مرضي ثم رمى وراء رسوله بالنشاب فوقع قريبا من الاطناب فقال قشتمر لجماعة من مماليكه أقربوا منهم وتحرشوا بهم فأخذوا في سبهم ورموا بالنشاب إلى جهتهم فما زال الأمر يزداد حتى وقع الزحف على البلد وقت العصر واشتد الرمي من فوق السور بالنار وأنواع السلاح، وكثر في الفريقين القتل والجراح وسار قشتمرحتى وقف على الخندق فاشتد القتال حينئذ وقوي جأش المقاتلين بوجوده فركب الشرابي في لامة حربه ووقف على نشز فأخبر قشتمر بركوبه فقصده ووقف إلى جانبه، فساعة اجتماعمها أخبرا بالنصر والفتح وتسليم القلعة، ونهب أوباش العسكر بعض دورها، واستولى العسكر على البلد عنوة، وكتب الشرابي على جناح طائر إلى الخليفة بصورة الحال فحصل الاستبشار بذلك وضربت الطبول على باب النوبي، وأفرج عن جميع المعتقلين في الحبوس وحضر الشعراء في الديوان وأوردوا قصائد تتضمن الهناء بهذا الفتج والنصر. فمن أورد القاضي أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني قصيدة أولها:
مايثبت الملك بين الخوف والخطر ... حتى يقام ويسقى من دم البشر
لكل شيء طريق يستفاد به ... وليس للعز غير الصارم الذكر
ومنها:
مافتح أربل عن بخت لذي دعه ... ولا اتفاقا كبعض النصر والظفر
لكنه كان قصد القادرين وأف عال المطيعين عن قصد وعن فكر
فليسمح الاشعري اليم لي فأنا ... في فتح أربل لا الوي على القدر
وقال أخوه عز الدين عبد الحميد الكاتب قصيدة، اتفق له فيها أن الوزير كان ترتيبه يوم سابع عشر شوال سنة تسع وعشرين وفتح أربل يوم سابع عشر شوال سنة ثلاثين فقال:
يا يوم سابع عشر شوال الذي ... رزق السعادة أولا وأخيرا
هنئت فيه بفتح أربل مثلما ... هنئت فيه وقد جلست وزيرا
Page 12
وتقدم الخليفة، باحضار الأمير شمس الدين باتكين أمير البصرة فكوتب بالحضور فوصل من البصرة إلى رابع ذي القعدة، وحضر نصيرالدين أبن الناقد نائب الوزارة فشافهه بولاية أربل وتقدم إليه بالتوجه إليها على فوره، فتوجه من وقته فوصلها في تاسع عشر الشهر وحضر عند شرف الدين أقبال الشراب في المخيم يظاهر أربل، فخلع عليه وقلده سيفا وأمطاه فرسا وأعطاه كوسات واعلاما، فركب في جمع كثير من الأمراء والأجناد ودخل الجامع فقرىء عهده به بمحضر من أهل البلد وغيرهم، تولى قرأته ظهير الدين الحسن بن عبد الله، وكان قد عين عليه لوزارته، وركب إلى القلعة ونزل في دار الإمارة التي كان يسكنها مظفر الدين، ثم خلع الشرابي على ظهير الدين الحسن بن عبد الله ثم على ظهير الدين الحسن بن المصطنع وجعله مشرفا عليه، ورتب معها كاتبا الاجل ابن عبدان النصراني ثم رتب جمال الدين أبن عسكر الانباري عارضا للجيش هناك، وجعل عليه مشرفا عز الدين محمد بن صدقة وخلع عليهما فلما قرر القواعد وفرغ مما يريده، رحل عائدا إلى بغداد والأمراء والعساكر في خدمته، فوصل ظاهر إلى الخالص في عاشر ذي الحجة فنزل بقرية تعرف - بقرية أبي النجم - فخرج الخلق الكثير إلى تلقيه فصلى هناك ونحر وضحى ومد سماطا عظيما، ثم رحل في حادي عشر ذي الحجة متوجها إلى بغداد فلما وصل ظاهر سوق السلطان خلع على جميع أصحابه ومن كان في خدمته من النواب والاتباع والحاشية، وخرج إليه جميع الولاة وأرباب المناصب والاماثل والاعيان فلقوه بظاهر السور ولم يخلف أحد من الخروج سوى الوزير، ثم سار حتى وصل دجلة ونزل عند المسناة في شبارة الخليفة وقبلها وتضرع بالدعاء وبكى فخشع الحاضرون لبكائه ثم نزل فيها وانحدر إلى دار الخلافة فتلقي بالاكرام ثم خلع عليه وقلد سيفين وقدم له فرس فركبه من باب البستان ورفع وراءه سنجقان، وأما الأمراء جميعهم فأنهم دخلوا البلد وقصدوا دار الخليفة، ودخلوا من باب الحرم بموجب ما رسم لهم وجلسوا في باب الأتراك إلى أن خرج راكبا فقبلوا يده ومشوا بين يده إلى باب الباتني ثم ركبوا وساروا في خدمته إلى داره بالبدرية فلما نزل عن مركوبه خدموا وعادوا قاصدين دار نصير الدين نائب الوزارة فلقوه فخلع عليهم اجمعين، وأعطى كل واحد فرسا بمركب وخمسة آلاف دينار وأنعم على من دونهم على قدر مرتبته من الالفين إلى الخمسمائة، ثم خلع على جميع المماليك الناصرية والظاهرية والمستنصرية وأعطى كل واحد خمسين دينارا، ثم أنعم على جميع الجند ومماليك الأمراء والعرب من ثلاثين إلى خمسة عشر، ثم أحضر علاء الدين أبو طالب هاشم بن الأمير السيد العلوي وولي عارض الجيش، وخلع عليه بدار الوزارة عوضا عن ظهير الدين بن عبد الله، وولي الأمير أرغش الرومي الناصري إمارة البصرة وخلع عليه وتوجه إليها.
ذكر عدة حوادث
وفي هذه السنة، دخل قوم على رجل يعرف بابن اللؤلؤي داره بالعنوتين وقتلوه، ظنا أنه معه ذهبا فلم يروا معه شيئا ولم يعرف لهم خبر.
وفيها. خنق إنسان يعرف بمحمد الخياط نسيب لبني ياسين نفسه بحبل في داره باللوزية قيل أنه كان شديد الضائقه وعنده تعفف وعزوف نفس عن الطلب.
وفيها، توفي أبو محمد عبد الله بن الشيخ أبي النجيب السهروردي، من بيت التصوف وأولاد المشائخ، ذكر أنه خرج عن جميع ماله ووقفه، فلما قدم الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي قدم على غاية الفقر مجردا من الدنيا فضاق صدر الشيخ أبي النجيب كيف لم يرضخ في الوقف بنصيب، فسأل ولده أن يعطيه شيئا من نصيبه فلم يوافق فقال له الشيخ أبو النجيب وقد احتد: والله لتحتاجن إليه، ومضى على ذلك برهة فتقدم الشيخ شهاب الدين وأثرت حاله وفتحت عليها الدينا فأحتاج عبد الله هذا إليه واسترفده وما زال يواصله إلى أن مات.
وفيها، توفي أبو المحاسن محمد بن نصر الأنصاري المعروف بابن عنين الكوفي أصلا، ولد بدمشق ونشأ بها، وهو شاعر مشهور سافر إلى الآفاق في التجارة ومدح الأكابر في كل البلاد، وكان ظريفا حسن الأخلاق جميل المعاشرة ذا ثروة، وكانت وفاته بدمشق، وحج بالناس في هذه السنة، الأمير شمس الدين أصلان تكين.
سنة أحدى وثلاثين وستمائة
في المحرم، أعيدت الحلة السيفية إلى الأمير جمال الدين قشتمر الناصري وتوجه إليها.
Page 13
وفيها، نفذ الأمير بدر الدين سنقرجاه الظاهري أمير آخور الخليفة المستنصر بالله إلى الموصل ومعه خلعة السلطنة وتقليد لبدر الدين لؤلؤ الرومي الاتابكي صاحب الموصل، فخلع عليه وأمطاه فرسا بمركب ذهبا، وكنبوش أبريسما، وسيف ركاب ومشدة في عنق الفرس، ولقب الملك المسعود وأذن له أن يذكر اسمه على المنابر ببلده ونقشه على سكة العين والورق.
وفيها ولي تاج الدين أبو الفتوح علي بن هبة الله بن الدوامي، عارض الجيش، عوضا عن علاء الدين هاشم بن الأمير السيد، وعزل الأمير شمس الدين أصلان تكين عن إمارة الحاج، وولي شمس الدين قيران الإمارة مرة ثانية.
وفيها، عزل يحيى بن المرتضى النيلي عن النظر بواسط، وولي عوضه قوام الدين علي بن غزالة المدائني.
ذكر فتح المدرسة المستنصرية
في جمادي الآخرة، تكامل بناء المدرسة المستنصرية التي أمر بانشائها الخليفة المستنصر بالله، وكان الشروع فيها في سنة خمس وعشرين وستمائة، وأنفق عليها أموال كثيرة، فركب نصير الدين ابن الناقد نائب الوزارة في يوم الاثنين خامس عشر جمادي الآخرة وقصد دار الخلافة واجتاز بها إلى دجلة، ونزل في شبارة من باب البشرى مصعدا إلى الدار المستجدة المجاورة لهذه المدرسة، وصعد إليها وقبل عتبتها ودخلها وطاف بها ودعا لمالكها، وكان معه استاذ الدار مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي، وهو الذي تولى عمارتها، ثم عاد متوجها إلى داره في الطريق التي جاء بها وخلع على استاذ الدار وعلى أخيه أبي جعفر وعلى حاجبه عبد الله بن جمهور وعلى المعمار والفراشين المرتبين في الدار المذكورة المستجدة وعلى مقدمي الصناع، ونقل في هذا اليوم إلى المدرسة من الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والأدبية ما حمله مائة ستون حمالا، وجعلت في خزانة الكتب، وتقدم إلى الشيخ عبد العزيز شيخ رباط الحريم بالحور بالمدرسة واثبات الكتب واعتبارها، وإلى ولده العدل ضياء الدين أحمد الخازن بخزانة كتب الخليفة التي في داره أيضا فحضر واعتبرها ورتبها أحسن ترتيب مفصلا لفنونها ليسهل تناولها ولا يتعب مناولها.
وفي بعض هذه الأيام، حضر الخليفة هناك، وحضر الشيخ عبد العزيز بين يديه وسلم عليه، وأعقب دعائه بأن تلا قوله تعالى (تبارك الذي أن شاء جعل لك من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) فبدأ خشوع الخليفة وتقاطرت دموعه.
وفي يوم الخميس خامس شهر رجب، حضر نصير الدين نائب الوزارة وسائر الولاة والحجاب والقضاة المدرسون والفقهاء ومشايخ الربط والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء وجماعة من أعيان التجار الغرباء إلى المدرسة، وتخير لكل مذهب من المدارس وغيرها اثنان وستون نفسا، ورتب لها مدرسان ونائبا تدريس، أما المدرسان فمحيي الدين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي ورشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني الحنفي، وخلع على كل واحد منهما جبة سوداء وطرحة كحلية وأمطي بغلة بمركب جميل وعدة كاملة، وأما النائبان فجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن أبن يوسف بن الجوزي الحنبلي، ونيابة عن ولده لأنه كان مسافرا في بعض مهام الديوان، والآخر أبو الحسن علي المغربي المالكي وخلع على كل واحد منهما قميص مصمت وعمامة قصب، ثم خلع على جميع المعيدين وهم لكل مذهب أربعة خلعا بالحكاية، ثم خلع على المتولين للعمارة والصناع والحاشية وعلى المعينين للخدمة بخزانة الكتب، وهم الشمس علي بن الكتبي الخازن والعماد علي بن الدباس المشرف والجمال ابراهيم بن حذيفة المناول، ثم مد سماط في صحن المدرسة أجمع فكان عليه من الاشربة والحلواء وأنواع الأطعمة ما يجاوز حد الكثرة فتناوله الحاضرون تعبئة وتكويرا ثم أفيضت الخلع على الحاضرين من المدرسين ومشايخ الربط والمعيدين بالمدارس والشعرا والتجار الغرباء، ثم أنشد الشعراء المدائح فيها وفي منشئها: فممن أورد العدل أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني الفقيه الشافعي:
ما مثل الفلك العظيم لمبصر ... في الأرض قبل أيالة المستنصر
هذا بناء معرب عن قدرة ... رفعت قواعده بفعل مطهر
حسدت به الأرض السماء ولم يزل ... حسد الفضائل في طباع الغصر
Page 14
أنظر تجد نظم الثريا في ذرى ... شرفاته وضياء نور المشتري
ضحك الزمان وذاك بعد عبوسه ... ورأى الصواب وذالك بعد تحير
فالأفق بين مفضض ومذهب ... والجو بين مكوفر ومعنبر
والأرض حاسرة القناع كأنها ... خود تبرج في رداء أخضر
تزهو بما عمر الخليفة فوقها ... علما لاحكام البشير المنذر
بالجانب الشرقي باشاطي الذي ... هو طور سينا كل صاحب منبر
ومنها:
ماحق دجلة أن تفوه بلفظة ... قهرت وأي مساجل لم يقهر
غلب العطاء الماء فيها وانثنى ... سدا يفوق صناعة الاسكندر
أن أصبحت بحرا فإن بنانه ... بافاضة المعروف خمسة أبحر
وضع الإمام بها أساس بنائه ... والموج بين مجمجم ومزمجر
قصرا ومدرسة لمن طلب الغنى ... أو رام شأو العالم المتجر
هي جنة الفردوس يجري تحتها ... من ماء دجلة ماء نهر الكوثر
حصباؤها در النظام وتربها ... مسك الجندب؟ وطينها كالعنبر
أضحى سليمان الزمان وأهله ... مستخدما فيها بجنة عبقر
لبس الغبي بها شهامة ماهر ... وغدا المقل مزاحما للمكثر
لم تخل من حبر وشيخ فاضل ... يروي الحديث وساجد ومعفر
قد كانت الفقهاء قبل بنائها ... في كل قطر واحد لم يذكر
فرقى يشق على المريد طلابها ... في الشرع والمطلوب كالمعتذر
فاليوم قد جمعت أمور الدين في ... أرجائها وأزيل عذر المقصر
وأورد بعده جماعة كثيرة، ثم ذكر المدرسان المقدم ذكرهما الدروس كل واحد منهما على حدته، والنائبان كل واحد منهما تحت السدة ثم قسمت الأرباع فسلم ربع القبلة الأيمن إلى الشافعية، والربع الثاني يسرة القبلة للحنفية، والربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة، والربع الرابع يسرة الداخل للمالكية، وأسكنت بيوتها وغرفها وأجري لهم الجراية الوافرة. عملا بشرط الواقف، ثم نهض نصير الدين وأرباب الدولة والحاضرون وكان يومئذ الخليفة جالسا في الشباك الذي في صدر الإيوان، ينظر جميع ماجرت الحال عليه.
تلخيص شروط هذه المدرسة
شرط أن يكون عدة الفقاء مائتين وثمانية وأربعين متفقها من كل طائفة أثنان وستون بالمشاهرة الوافرة والجراية الدارة واللحم الراتب والمطبخ الدائر إلى غير ذلك من الحلواء، والفواكه، والصابون والبزر، والفرش، والتعهد، وشرط أن يكون في دار الحديث التي بها شيخ عالي الأسناد وقارئان وعشرة أنفس يشتغلون بعلم الحديث النبوي، وأن يقرأ الحديث في كل يوم سبت واثنين وخميس من كل أسبوع، وشرط لهم الجراية، والمشاهرة، والتعهد أسوة بالفقهاء وشرط، أن يكون في الدار المتصلة بالمدرسة، ثلاثون صبيا أيتاما يتلقنون القرآن المجيد من مقرىء متقن صالح، ويحفظهم معيد معه ولهم من الجراية، والمشاهرة، والتعهد، ما للمشتغلين بعلم الحديث، وشرط، أن يرتب بها طبيب حاذق مسلم، وعشرة أنفس من المسلمون يشتغلون بعلم الطب، ويوصل إليهم مثل ما للمقدم ذكرهم، وأن يكون الطبيب يطب من يعرض له مرض من أرباب هذا الوقف، ويعطي المريض ما يوصف له من أدوية وأشربة وغير ذلك، وشرط أن يكون بها من يشتغل بعلم الفرائض والحساب إلى غير ذلك، مما إذا أستقصي ذكره، طال تعداده.
ذكر عدة حوادث
في تاسع رجب، رتب القاضي أبو النجيب عبد الرحمن بن القاضي يحيى بن القاسم التكريتي ناظرا في مصالح المدرسة المستنصرية، ورتب العدل عبد الله بن ثامر مشرفا عليه، ورتب معهما العدل أبو منصور الفاضل بن محمد كاتبا، ورتب العدل بن أبي البدر خازنا، وخلع على جميع.
وفي شهر رمضان، وصل محيي الدين يوسف بن الجوزي من مصر وخلع عليه بذار الوزارة، خلعة التدريس على الحنابلة، بالمدرسة المستنصرية، وحضرالمدرسة بالخلعة ومعه جميع الولاة والحجاب فجلس على السدة وخطب وذكر دروسا.
وفي ذي القعدة، توفي محيي الدين أبو المظفر بن البوقي، أصله من واسط من أولاد الفقهاء، أحب التصرف ودخل فيه فخدم عدة خدمات آخرها صدرية بلاد خوزستان، بقي على ذلك مدة ثم عزل.
Page 15
وفيها، وصل الأمير مظفر الدين بهنام الرومي الناصري زعيم تستر معزولا، وولي عوضه الأمير علاء الدين الدكز الناصري شحنة بغداد، وولي ظهير الدين الحسن بن عبد الله، ناظرا في أعمال خوزستان ومتواليا لديوانها.
وفيها، خلع أمير الحاج شمس الدين قركان وتوجه بالحاج، فلما وصلو بعض المنازل بلغهم أن العرب الاجاودة طموا الآبار في منزل سلمان، وعزموا على أخذهم، فأشاروا على أمير الحاج بالعود إلى بغداد، فاستفتى من كان في الحاج من الفقهاء في ذلك، فأفتوا بجواز الرجوع، فرجع بالناس فلما وصلوا ذكروا أنهم طلبوا منهم المصالحة على مال، وتجاوزوا حد الكثرة فيه، وطلبوا اطلاق محبوسين لهم ببغداد، وأخذ وجوه الحاج رهائن على اطلاقهم وترددت الرسل بينهم في ذلك، هذا كله: والحاج نازلون على ماء قليل يصل إلى بعضهن بالقوة الجاه، وتمادت الأيام وتحقق فوات الحج، فعدلوا عن مصالحتهم، وتوجهوا عائدين، فمات منهم خلق كثير، ومعظم الجمال، وأحرقوا من أزوادهم وأمتعتهم قبل رحيلهم شيئا كثيرا لئلا تأخذه العرب، فقال الفقيه أبو الحسن علي بن البطريق قصيدة: كتبها إلى الخليفة يحرضه على قتال العرب، هذه الأبيات منها:
الكفر في الترك دون الكفر في العرب ... أليس منهم إذا عدوا أبو لهب
أليس منهم أبو جهل وبنتهم ... عدوة المصطفى حمالة الحطب
فيا إمام الهدى يا خير من نظمت ... له المدائح، يابن السادة النجب
يا أيها القائم المنضور أنت إذا ... حضرت وجه رسول الله لم تعب
فاغز الأعاريب بالأتراك منتقما ... منهم ولا تر فيهم حرمة النسب
فقد غزاهم رسول الله في حرم ... الله المنيع بإذن الله وهو نبي
وما رعى فيهم آلا ولا نسبا ... ولم يقل أن أمي منهم وأبي
أن أدعوا أنهم قد أسلموا فقدار ... تدوا بمنعهم للحج عن كثب
وكان قد وصل تابوت مظفر الدين كوكبري صاحب أربل ونفذ صحبة الحاج ليدفن في مكة فلما رجع الحاج، دفن في مشهد علي عليه السلام.
وفيها، نقل تاج الدين معلى من صدرية المخزن، إلى صدرية ديوان الزمام، ونقل عميد الدين بن عباس من الأشراف عليه هناك، وجعل مشرفا عليه في الديوان.
وولي جمال الدين عبد الله بن الناقد صدرا بالمخزن نقلا من الحجبة به، وخلع عليه في دار أخيه نصير الدين، ورتب فخر الدين أحمد بن الدامغاني مشرفا عليه نقلا من أشراف ديوان الزمام، وخلع عليه.
وفيها، توفى أبو عبد الله العباس بن الخليفة الظاهر، وتوفي أيضا الشيخ أبو العباس أحمد بن ثبات الهمامي الواسطي، كان أحد عدول واسط، وتولى قضاء الهمامية مدة ثم ترك ذلك، وقدم بغداد، وأقام بالمدرسة النظامية نحوا من أربعين سنة، يقرىء الناس علم الحساب والفرائض، وصنف في ذلك كتبا، وكان لا يخرج من المدرسة إلا لصلاة الجمعة، مضى على ذلك عمره إلى أن توفي، وكان شيخا بارد الكلام جدا، من يسمع كلامه يخاله أبله، فإذا أملي مسائل الحساب أتى بكل حسن.
وتوفي مجد الدين مخمد بن زعرور، كان أولا يتصرف في أعمال السواد، ثم رتب نائبا بالجانب الغربي مدة، ثم ولي نظارة واسط وأقام بها سنين، ثم فصل عنها فأقام ببغداد مدة، ثم عين عليه صدرا بنهر عيسى. ونهر الملك. وهبت والأنبار، وجعل له ديوان مفرد، فكان على ذلك إلى أن توفي.
وتوفي، تاج الدين أبو الحسن علي بن الأنباري الواسطي، ولد بواسط وخدم في أعمالها، ثم قدم بغداد وخدم ناظرا في ديوان العقار، ثم رتب ناظرا بديوان واسط، ثم عزل ورتب مشرفا في البلاد الحلية مدة، ثم ناب في أعمال المخزن، ثم ولي أشراف الديوان ثم نقل إلى صدرية ديوان الزمام، فلم يزل على ذلك إلى أن مات، وكان ظالما متحيفا.
Page 16
وفيها، توفي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن فضلان، كان فقيها عالما، درس بعد أبيه بمدرسة فخر الدولة بن المطلب، ورتب كاتبا بدار التشريفات، ثم تولى تدريس المدرسة النظامية والنظر في أوقافها إضافة في دار التشريفات، ثم عزل عن النظامية خاصة وتوفر على خدمته بدار التشريفات وتدريس - دار الذهب - ورفع الطرحة، ثم قلد قضاء القضاة، ورد إليه النظر في ديوان الحسبة والنظر في أوقاف المدارس والأربطة، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي الخليفة الناصر لدين الله، فلما بويع الظاهر بأمر الله، عزله فلزم منزله لا يخرج منه إلا لصلاة الجمعة، ثم استدعي وولي نظارة المارستان العضدي، فكان على ذلك شهورا، ثم عزل نفسه ولزم بيته إلى أن استدعي وولي النظر بديوان الجوالي واستيفاء ثروات أهل الذمة، ثم ولي تدريس - مدرسة الأصحاب - فتردد إليها مدة ثم تركها، وتوفر على ديوان الجوالي ثم نفذ في رسالة إلى ملك الروم، فلما عاد رتب مدرس الطائفة الشافعية: بالمدرسة المستنصرية فكان على ذلك إلى أن توفي.
Page 17
حكي عنه: أنه كتب للخليفة الناصر لدين الله لما كان يتولى ديوان الجوالي رقعة طويلة يقول فيها: مذهب الشافعي رضي الله يقضي أن المأخوذ من أهل الذمة، أعني اليهود والنصارى وكل سنة أجرة عن سكناهم في دار السلام، والارتفاق بمرافقها لا يتقدر في الشرع بمقدار معين في طرف الزيادة ويتقدر في طرف النقصان بدينار، فلا يؤخذ من أحد منهما على الاطلاق أقل من دينار ويجوز أن يؤخذ مايزيد علي الدينار إلى المائة، حسب امتداد اليد عليهم مهما أمكن، فإن رأى أن يتضاعف على كل شخص منهم ما يؤخذ منه، فللاراء الشريفة علوها في ذلك، وهذا لا يبين عليهم لا في أحوالهم ولا في ذات أيديهم لأن الغالب على الجميع التخفيف في القدر المأخوذ منهم، وهم ضروب وأقسام، منهم من هو في خدمات الديوان وله المعيشة السنية غير بركة يده الممتدة إلى أموال السلطان والرعية من الرشا والبراطيل، ولعل الواحد منهم ينفق في يومه القدر المأخوذ منه في السنة، هذا مع مالهم من الحرية الزائدة والجاه القاطع والترقي على رقاب خواص المسلمين، وقد شاهد العبد وغيره من الفقهاء الحاضرين في المخزن لتناول البر المتقبل: أن أبن الحاجب قيصر، أقام ابن محرز الفقيه من طرف موضع كان به، وأقعد مكانه ابن زطينا كاتب المخزن لمكان خدمته وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: أمرنا أن لا نساويهم في المجلس ولا نشيع جنائزهم ولا نعود مرضاهم ولا نبدأهم بسلام وقد كان أبن مهدي استفتى العبد وغيره، في تولية ابن ساوا النظر بواسط، فقال له العبد: لا يجوز ذلك، وذكر له قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري وذلك أنه عرض عليه حسبة عمل من الأعمال فأعجبته، فقال من كاتب هذه؟ وكان عمر جالسا في المسجد، فقال له أبو موسى: رجل بباب المسجد، فقال عمر: ما باله لا يدخل المسجد أجنب هو؟ قال: لا إنما هو نصراني، فغضب عمر وقال: أتقربونهم وقد أبعدهم الله وتأتمنونهم وقد وخونهم الله وترفعونهم وقد وضعهم الله لا يعمل لي هذا عملا في بلد من بلاد الإسلام، ثم ليس لهم في بلد من الحرمة والجاه والمكانة ما لهم في مدينة السلام، فلو تضاعف المأخوذ منهم مهما تضاعف، كان لهم الربح الكثير. ومنهم الاطباء أصحاب المكاسب الجزيلة، بترددهم إلى منازل الأعيان، وأرباب الأحوال ودخولهم على المتوجهين في الدولة، والناس يتحملون فيما يعطون الطبيب زائدا على القدر المستحق، وهو أمر من قبل المروآت فلا ينفكون عن الخلع السنية والدنانير الكثيرة والطرف في المواسم والفصول مع ما يحطون في المعالجات ويفسدون الأمزجة والأبدان، ويخرج الصبي منهم ولم يقرأ غير عشر مسائل حنين، وخمس قوائم من تذكرة الكحالين وقد تقمص ولبس العمامة الكبيرة وجلس في مقاعد الأسواق والشوارع على دكة حتى يعرف، وبين يديه المكحلة والملحدان يؤذي هذا في بدنه وبجرب على ذا في عينه، فيفتك من أول النهار إلى آخره ويمضي آخر النهار إلى منزله ومكحلته مملوءة قراضة فإذا عرف بقعوده على الدكة وصار له الزبون، قام يدور ويدخل الدور، ومنهم أرباب المعايش من العطارين والمخلطين والكسارين أصحاب المكاسب الظاهرة والارتفاقات الكثيرة بأموال التجار المسلمين وأخذهم من الحجر بالمدة وما يعفوا في ميزان الذهب، وميزان الارطال وما يغشون في الحوائج ويدغلون، ومنهم أصحاب الحرف والصناعات من الصاغة وغيرهم وما يتقلبون فيه من الذهب والفضة ويسرقون الذهب ويجعلون عوضه المس ويعدلونه ويسرقون الفضة ويجعلون عوض ذلك في المواضع المستورة بحسب احتمالها، تارة قارا وغير ذك ومنهم الجهابذة وما يسرقون في القبض والتقبيض، ومنهم الصيارف واحتجاجهم ببضاعة دار الضرب مع مالهم من التبسط في المسلمات والمسلمين وبذل جزيل المال في تحصيل أغراضهم في الفساد ورفاهية العيش والتلذذ في المآكل والمشارب، ثم ما زالوا على اختلاف الزمان يؤخذون بالصغار ولبس الغيار الذي أوجبه الشرع عليهم، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار، أن احملوا أهل الذمة على جز نواصيهم وأن يختموا أعناقهم بخواتم من رصاص أو حديد، وأن يركبوا على الأكف عرضا، وأن يشدوا الزنانير علي أوساطهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين، وعلى ذلك جرى الأمر في زمن الخلفاء الراشدين وآخر من شدد عليهم المقتدي بأمر الله واجراهم على العادة التي كانت في زمن
Page 18
المتوكل، فعلق في أعناقهم الجلاجل ونصب الصور والخشب على أبوابهم لتتميز بيوتهم عن بيوت المسلمين، وأن لا يساوي بنيانهم بنيان المسلمين وألزم اليهود لبس الغيار والعمائم الصفر، وأما النساء فلازر العسلية، وأن تخالف المرأة منهم بين لوني خفيها، واحد أسود، والآخر أبيض، وأن يجعلوا في أعناقهن أطواقا من حديد إذا دخلن الحمامات، وأما النصارى فلبس الثياب الدكن والفاختية وشد الزنانير على أوساطهم وتعليق الصلبان على صدورهم، وإذا أرادوا الركوب لا يمكنون من الخيل، بل البغال والحمير بالبراذع دون السروج عرضا من جانب واحد، فهؤلا قد حط عنهم هذا كله فلا يقابل ذلك بتضعيف ما يؤخذ منهم، وهؤلاء في أكثر البلاد يلزمون الغيار ولايتمكنون من الدخول إلا في أرذل الصنائع وأرذل الحرف، أما في بخار سمرقند فمنقوا الكنف المجاري ورفع المزابل ومساقط الفضلات هم أهل الذمة، وأقرب البلاد إلينا حلب، وهم بها عليهم الغيار، ومن حكم الشرع أنه إذا أخذت الجزية منهم يدفعها المعطي منهم وهو قائم والآخذ قاعد يضعها في كفه ليتناولها المسلم من وسط كفه: تكون يد المسلم العليا ويد الذمي هي السفلى، ثن يمد بلحيته ويضرب في لهازمه ويقول له: أد حق الله ياعدو الله ياكافر، واليوم منهم من لا يحضر عند العامل بل ينفذها على يد صاحبه، الصابئة قوم من عبدة الكواكب يسكنون في البلاد الواسطية لا ذمة لهم، وكان في قديم الزمان لهم ذمة، فاستفتى القاهر بالله أبا سعيد الاصطخري، من أصحاب الشافعي في حقهم، فأفتاه بأراقة دمائهم وأن لا تقبل منهم الجزية، فلما سمعوا بذلوا له خمسين ألف دينار فأمسك عنهم، وهم اليوم لا جزية عليهم ولا يؤخذ منهم شيء، وهم في حكم المسلمين والأمر أعلى: فيما وقف الخليفة على رقعته لم يعد عنها جوابا، ولما توفي ابن فضلان رتب عوضه في تدريس المدرسة المستنصرية قاضي القضاة أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل الواسطي مضافا إلى القضاء.، فعلق في أعناقهم الجلاجل ونصب الصور والخشب على أبوابهم لتتميز بيوتهم عن بيوت المسلمين، وأن لا يساوي بنيانهم بنيان المسلمين وألزم اليهود لبس الغيار والعمائم الصفر، وأما النساء فلازر العسلية، وأن تخالف المرأة منهم بين لوني خفيها، واحد أسود، والآخر أبيض، وأن يجعلوا في أعناقهن أطواقا من حديد إذا دخلن الحمامات، وأما النصارى فلبس الثياب الدكن والفاختية وشد الزنانير على أوساطهم وتعليق الصلبان على صدورهم، وإذا أرادوا الركوب لا يمكنون من الخيل، بل البغال والحمير بالبراذع دون السروج عرضا من جانب واحد، فهؤلا قد حط عنهم هذا كله فلا يقابل ذلك بتضعيف ما يؤخذ منهم، وهؤلاء في أكثر البلاد يلزمون الغيار ولايتمكنون من الدخول إلا في أرذل الصنائع وأرذل الحرف، أما في بخار سمرقند فمنقوا الكنف المجاري ورفع المزابل ومساقط الفضلات هم أهل الذمة، وأقرب البلاد إلينا حلب، وهم بها عليهم الغيار، ومن حكم الشرع أنه إذا أخذت الجزية منهم يدفعها المعطي منهم وهو قائم والآخذ قاعد يضعها في كفه ليتناولها المسلم من وسط كفه: تكون يد المسلم العليا ويد الذمي هي السفلى، ثن يمد بلحيته ويضرب في لهازمه ويقول له: أد حق الله ياعدو الله ياكافر، واليوم منهم من لا يحضر عند العامل بل ينفذها على يد صاحبه، الصابئة قوم من عبدة الكواكب يسكنون في البلاد الواسطية لا ذمة لهم، وكان في قديم الزمان لهم ذمة، فاستفتى القاهر بالله أبا سعيد الاصطخري، من أصحاب الشافعي في حقهم، فأفتاه بأراقة دمائهم وأن لا تقبل منهم الجزية، فلما سمعوا بذلوا له خمسين ألف دينار فأمسك عنهم، وهم اليوم لا جزية عليهم ولا يؤخذ منهم شيء، وهم في حكم المسلمين والأمر أعلى: فيما وقف الخليفة على رقعته لم يعد عنها جوابا، ولما توفي ابن فضلان رتب عوضه في تدريس المدرسة المستنصرية قاضي القضاة أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل الواسطي مضافا إلى القضاء.
وتوفي على بن ابراهيم بن الانباري الذي كان صاحب الديوان.
سنة اثنتين وثلاثين وستمائة
فيها، رتب فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي وكيل باب طراد والنظر بدار الشريفات عوض علي بن العنبري نقلا من نيابة ديوان الزمام.
وفيها، عزل شمس الدين علي بن سيقر الطويل عن الإمارة ولزم بيته وقصر نفسه فيه.
Page 19
وفيها، تقدم بأحضار جماعة من الولاة وأرباب الدولة إلى دار الوزارة ثم جماعة من التجار والصيارف وأحضرت دراهم فضة وألقيت على نطع بين يدي نصير الدين ثم نهض قائما والجماعة، وعرفهم أن الخليفة أنعم في حق رعيته وأنقذهم من التعامل بالحرام وتجنب الآثام وأغناهم عن الصرف المشتمل على الربا بالمعاملة بهذه الدراهم عوضا عن القراصنة، وقرر سعرها كل عشرة دراهم بدينار، واعطى الصيارف منها ما يعاملون الناس به.
وفيهم، ختم الأمير أبو أحمد عبد الله ولد الخليفة المستنصر بالله القرآن المجيد على مؤدبه العدل أبي المظفر علي بن النيار واحضر له خلعة: قميص اطلس وبقيار قصب بمغربي، فأمتنع من لبسه تورعا لما ورد في ذلك من النص الدال على التحريم، وأحضر له قميص مصمت غزلي وبقيار قصب بحرير وأنعم عليه بألفي دينار، وفرس عربي وخلع على ولد له صغير مائتي دينار وأنفذ إلى داره ما حمله اثنان وأربعون حمالا، ثم عملت دعوة عظيمة بلغت الغرامة عليها عشرة آلاف دينار، ثم خلع على وكيله العدل عبد الوهاب بن المطهر وعلى ولده وعلى جميع الخدم والحاشية.
وفيها، نقل تاج الدين علي بن الدوامي من ديوان عرض الجيش إلى صدرية ديوان أربل وخلع عليه وتوجه إليها.
وفيها، ولي قطب الدين سنجر الناصري شحنكية بغداد.
ووصل رسول من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، ومعه تحف والطاف وكراع كثير، وسأل تزويج ابنته بمجاهد الدين أيبك الخاص المستنصري المعروف بالدويدار الصغير، فأحضر قاضي القضاة أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل ونائباه عبد الرحمن بن عبد السلام بن اللمغاني وعبد الرحمن بن يحيى التكريتي، وحضر مجاهد الدين الديويدار ومعه جماعة كبيرة من خدم الخليفة وأصحاب الشرابي وحاشية البدرية وجلس على يمين نصير الدين نائب الوزارة وخطب الخطيب أبو طالب الحسين بن المهتدي بالله خطبة النكاح وتولى العقد القاضي أبن اللمغاني وكان وكيل بدر الدين لؤلؤ رسوله أمين الدين لؤلؤ، والصداق مبلغه عشرون ألف دينار، وكتب كتاب الصداق في ثوب اطلس أبيض، وعملت دعوة عظيمة، ثم نهض مجاهد الدين، وخلع نصير الدين على من باشر العقد من القضاة والشهود والخطيب والوكلاء، وفي هذا الأملاك أنشد جماعة من الشعراء: منهم عبد الحميد بن أبي الحديد أنشد أبياتا يقول فيها:
أهلا بيوم حسن المنظر ... قد قرن الزهرة بالمشتري
لاسلبا ظل أمام الهدى ... شمس الوجود النير الأكبر
وفيها، عزل فخر الدين أبو طالب أحمد بن الدامغاني عن أشراف الديوان فلزم منزله.
وفيها، قتل رجل نصراني كان يسكن في درب الشاكريه، قتله غلام له وأظهر أنه قد سافر، فطال العهد بذلك، والغلام في داره يتصرف فيها على حسب ايثاره، فارتيب به فأخذ وقرر بالضرب فاعترف بأنه قتله والقاه في بئر داره، فوقع الاقتصار على تخليده السجن، لآن الغلام كان مسلما عملا بمذهب - الشافعي وأحمد - في ذلك.
وفيها، رتب الاوحد الكرماني الصوفي شيخا للصوفية برباط المرزبانية وخلع عليه واعطي بغلة ونفذ معه حاجب إلى هناك وهو شيخ حسن السمت، متكلم بلسان أهل الحقيقة وأرباب الطريقة قدم بغداد ونزل بجامع ابن المطلوب وكان الناس يقصدونه ويحضرون عنده من الفقراء والصوفية فأشتهر ذكره.
وفيها، عزل أمير الحاج قيران الظاهري عن أمارة الحاج خاصة، وولي عوضه الأمير حسام الدين أبو فراس بن جعفر بن أبي فراس وحج بالناس في هذه السنة.
Page 20