صاعقة
بعد ذلك كنت كالظل لإيفون لا أفارقها ما دامت الشمس مشرقة، وأختفي عنها متى خيم الظلام، نقضي معظم النهار معا نتساقى خمرة الحب ولا نصحو من نشوته، وكنت أصرف بعض السهرات عندها، وشرع الأمير يرقب حركاتي وسكناتي موجسا مني، على أني لم أكن لأبالي به بل بالأحرى كنت أذوب منه غيرة، وما من مرة عدت إلى البيت إلا متغيظا من تصوري أنه عند إيفون، فأعقد النية على أن أفصلها عنه في اليوم التالي، ومتى اجتمعت بها أثنتني عن هذا العزم.
ما طال هذا الحال كثيرا، ففي ذات صباح ذهبت إلى إيفون حسب عادتي، فذعرت إذ استقبلتني فانتين بوجه مكفهر، وتوقعت شرا عظيما قبل أن أسمع منها كلمة، فقلت: أراك مكتئبة فما الخبر؟ أين إيفون؟
فتكلفت الابتسام قائلة: لست مكتئبة إلا لأن إيفون تشكو صداعا خفيفا.
فاندفعت إلى غرفة إيفون كالمجنون، فوجدتها متكئة في سريرها تبتسم فارتميت عند سريرها أقبلها باكيا وأقول: ما لك يا حياتي؟
فطفر الدمع من عينيها وامتزج بدموعي، وقالت: لا شيء مهم، إني أشكو صداعا خفيفا. - أتتألمين وحدك يا إيفون؟ ... لا، يجب أن أتألم معك أو تشفي، هل تجرعت مسكنا؟
كلا، لا حاجة بي إلى ذلك، فإن ألمي خفيف ولا بد أن يزول الآن بوجودك معي.
وكنت حينئذ قد صرت في الباب، فمضيت إلى أقرب صيدلية، وأخذت بعض جرعات من الميجرانين وعدت إليها، فجرعتها جرعة واحدة، وكنت كل الوقت قلقا عليها خائفا من طارئ مرضي يطرأ على صحتها؛ لأني لاحظت أن وجهها شحب قليلا والهزال ظهر في جسمها، فحسبت ألف حساب لذلك.
رأيت أنها لم تكن معتدلة المزاج في ذلك النهار، وبالرغم من ابتسامها لي أدركت أنها غير مسرورة كالمعتاد، فخامرتني الريب في أمرها وكنت أسألها عن الحقيقة، فتنكر علي ما ساءها، وقد اغتنمت الفرصة وسألت فانتين بإلحاح، فقالت: «ليس هناك أمر غير صحتها»، على أني لم أقنع بجوابها ولا بجواب إيفون.
وفي ذلك اليوم طرأت مهمة جوهرية جدا اضطرتني أن أسافر إلى الإسكندرية، ولولا إلحاح عمي علي أن أذهب لأقضيها لما اكترثت بها، فذهبت إلى إيفون لكي أطمئن على صحتها، وأودعها آملا أن أعود إليها بعد يومين أو ثلاثة على الكثير، فقابلتني بكل بشاشة كأن اكتئابها لم يكن إلا سحابة صيف.
Unknown page