ولكن صمويل سميلز لم يسأل، وهو يروي تواريخهم، كيف جمعوا هذه الثروات؟ وهل كانوا يجمعونها لو أنهم كانوا يؤدون الأجور الحقة لعمالهم؟ كما لم يسأل يعقوب صروف هذين السؤالين عندما ترجم الكتاب.
ويشير جوركي إلى هذا الكتاب بالذات ويسخر به، ويعلن كراهته للتاجر الذي أثرى بإذلال العمال وحرمانهم مما كانوا في حاجة إليه من طعام أو مسكن أو كساء، وفي جميع مؤلفاته تقريبا نجد هذه الكراهة للتاجر والصانع؛ أي للرأسمالي، صاحب المتجر أو صاحب المصنع الذي يثري بما يكسبه من عرق العمال.
شو
رفيق حياتي
أحسن ما اقتنيت في حياتي هو ذكرى برنارد شو، فقد لقيته حين كانت لحيته لا تزال صهباء، وتحدثت إليه وسمعت خطبه وقرأت مؤلفاته، وإني لأحس إحساس أولئك الذين نغبطهم ممن عاصروا أفلاطون أو أرسطوطاليس، واستمتعوا بحديثهما، وقرءوا وناقشوا مؤلفاتهما، ورأوا ضمائرهما الذهنية تتفشى في حياتهم. ولقد عرفته في عام 1909، ورافقته إلى سنيه الأخيرة إلى أن مات في الرابعة والتسعين، وهي أربع وتسعون سنة من الخلود. ولقد درست فلسفته فكان لي منها توجيه وإرشاد.
ولكني لم أنتفع بمؤلفاته قدر ما انتفعت بحياته، وفلسفته التي - إلى مدى بعيد - تنبع من حياته أكثر مما تتألف من أفكاره، أو أن حياته قد اندمغت في أفكاره فعاش عيشا فلسفيا. ولست أنكر النشوة الذهنية التي كنت أجدها عندما أقرأ له مؤلفا جديدا، ولكن الإيحاء الدائم والتنبيه المزعج لأسلوب عيشي واختيار أهدافي، إنما كانا ينبعان من حياته أكثر من مؤلفاته. فقد تناول برنارد شو حياته كما لو كانت مادة خامة، وجعل يعتملها ويصوغها حتى أخرجها تمثالا جميلا. وقد ألف نحو أربعين كتابا ودرامة، ولكن أعظم مؤلفاته هو حياته.
وإني ألتفت كثيرا إلى المؤلفين من هذه الناحية؛ أي كيف ألفوا حياتهم وصاغوها وجعلوا منها بناء جميلا، كما لو كانوا يرسمون صورة أو ينحتون تمثالا أو يصفون بطلا في قصة أو درامة؟
وإني لأذكر هنا روسو، وجيته، وغاندي، وفولتير، فإن كلا من هؤلاء قد ألفوا الكتب العظيمة، ولكن أعظم ما ألفوه هو حياتهم، ولو أنه طلب إلي أن أؤلف في ترجمة برنارد شو وفلسفته كتابا يحتوي عشرة مجلدات لوجدت هذا الواجب سهلا أنهض به راضيا في شهور. ولكني أجد صعوبة كبرى في كتابة هذا الفصل عنه، وهي صعوبة الإيجاز والضغط والاختيار، ويجب أن أبدأ بكتابه الأكبر وهو حياته، فإنه اتبع أسلوبا من العيش يتفق وكلمته:
وإنما يكون الإنسان فاضلا إذا أعطى المجتمع الذي عاش فيه أكثر مما أخذ منه.
ومعنى هذا أن المجتمع قد كسب بحياته فضائل وأخلاقا وعلما وأدبا وحكمة.
Unknown page