ما البدر شف سناه
على رقيق السحاب
إلا كوجهك لما
أضاء تحت النقاب
وهنا صاحت نائلة قائلة: هذا هو الشعر الذي يذهل الفتاة عن نقابها، ويبكي العجوز على شبابها. فظهر الكمد
8
في وجه ابن عبدوس، وعمد إلى توجيه الحديث إلى ناحية أخرى، فالتفت نحو ابن حيان وقال: - عثرت من أيام على نسخة من تاريخك يا مولانا، فأعجبت به، غير أنه عيبة عيواب، فقد ملأته بمثالب الناس، ولم تعف لأحد فيه عن زلة.
فاتجه إليه ابن حيان وقال: وماذا أعمل يا فتى الأسبان، والدنيا خلقت هكذا؟ وتاريخي صورة للدنيا التي أعيش فيها، فأحسنوا أعمالكم أحسن كتابتي. - ألم تقل عن أبي عامر بن شهيد مفخرة الأندلس جميعها في أدبه وظرفه وحلو فكاهته: «كان بقرطبة في رقته وبراعته وظرفه، خليعها المنهمك في بطالته، وأعجب الناس تفاوتا بين قوله وفعله، وأحطهم في هوى نفسه، وأهتكهم لعرضه، وأجرأهم على خالقه؟» فأسرع ابن زيدون وقال: وهكذا والله كان أبو عامر ما ظلمه الرجل فتيلا.
وهنا نظرت ولادة إلى ابن حيان وقالت: لو بدا لك أن تترجم لي في تاريخك، فبحقي عليك ماذا كنت تقول؟
فابتسم ابن حيان وقال: كنت أقول: «إنها في زمانها واحدة أقرانها: حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر» ثم سكت فصاح ابن برد: أتمم يا أبا مروان، فإن الحية لا بد أن تمج لعابها: فقال ابن حيان: لا. إني لا أقول في ابنة المستكفي إلا هذا أو مثله، وإذا أردت أن أمسها مسا خفيفا قلت: «على أنها - سمح الله لها، وتغمد زللها - اطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل». فضحك القوم وتصايحوا. قال ابن زيدون؛ وماذا كنت تقول في؟ فزفر ابن حيان وقال: - كنت أقول: «فتى الآداب، وعمدة الظرف، والشاعر البديع الوصف، ذو الأبوة النبيهة بقرطبة، والوسامة والدراية وقوة العارضة، غير أنه سليط اللسان، جرئ الجنان، يذهب به طموحه كل مذهب، ويهون عليه كل مطلب».
Unknown page