الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الأَدْوِيَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْحِفْظِ
اعْلَمْ أَنَّ نِسْيَانَ الْمَحْفُوظِ مِنْ أَمْرَاضِ الدِّمَاغِ، وَذَلِكَ يَكُونُ غَالِبًا مِنْ سُوءِ مِزَاجٍ بَارِدٍ رَطْبٍ، يُرَطِّبُ الدِّمَاغَ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ مَا يُوَلِّدُ خَلْطًا بَلْغَمِيًّا وَفِيهِ تَبْخِيرٌ، وَيَتَوَلَّدُ كَثِيرًا مِنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَاللَّحْمِ، وَكَثْرَةِ أَكْلِ الْفَوَاكِهِ.
وَسَبَبُ فَسَادِ الذِّكْرِ الْبَرْدُ فَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ فَصَاحِبُهُ لا يَحْفَظُ مَا يُطْبَعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يَبُوسِهِ فَإِنَّهُ لا يَحْفَظُ الأُمُورَ الْمَاضِيَةَ دُونَ الْحَادِثَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يُبْسٍ مَعَ حَرٍّ كَانَ مَعَ اخْتِلاطِ الذِّهْنِ، وَأَكْثَرُ مَا يُعَرِّضُ النِّسْيَانَ عَنْ بَرْدٍ وَرُطُوبَةٍ.
وَقَدْ يَكُونُ عَنْ يُبْسٍ مُفْرِطٍ يُخَفِّفُ الدِّمَاغَ وَيَجْعَلُهُ كَالصَّخْرَةِ الَّتِي لا تَقْبَلُ أَنْ يَنْطَبِعَ فِيهَا شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَقُولُ إِبْلِيسُ: مَا لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ النِّعَمِ يَنْسُونَ الْمَعْبُودَ.
وَقَدْ يُورِثُ النِّسْيَانَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لِخَاصَّتِهَا مِثْلُ الْحِجَامَةِ فِي النُّقْرَةِ، وَأَكْلِ الْكُزْبَرَةِ الرَّطِبَةِ، وَالتُّفَّاحِ الْحَامِضِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَ جَمَلَيْنِ مَقْطُورَيْنِ، وَكَثْرَةِ الْهَمِّ وَقِرَاءَةِ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ، وَالنَّظَرِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَالْبَوْلِ فِيهِ، وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَصْلُوبِ، وَنَبْذِ الْقَمْلِ، وَأَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ.
قَالَ
1 / 39